نحن الآن أحوج ما نكون للجدية، فوطننا وأجيالنا تواجه تحديات كبيرة فلا بد من العمل الجاد والإنجاز المثمر.
ولعل أكثر مفاصل التنمية وبناء المستقبل التي تحتاج إلى مزيد من الحزم هي: المدارس لغرس الجد بعقول الناشئة لاكتساب المعرفة، ثم بعدها في ممارسة العمل ودخول معترك الحياة.
وهنا تقع"المسؤولية" وأداء هذه الرسالة على البيت، فضلا عن المدرسة، على أعناق ومنسوبي وزارة التعليم: مسؤولين وقادة مدارس ومعلمين ومعلمات، ومفتشين.
الجدية وقرار التعليق كأنموذج
سأضرب هنا أنموذجا من من نماذج الجدية المطلوبة التي لم يرحب بها بالبدء الطلاب والمعلمون لكنها بعد فترة وجيزة صارت مقبولة ولعل من توفيق الله أنه اختير لهذه الوزارة رجل اتسم عمله بالجدية منذ دخل بوابة وزارة التعليم.
هو معالي د/ أحمد العيسى وأذكر هنا مع أول بدايات عمله أن سعدت بلقائه بمناسبة خاصة بمنزل أحد الفضلاء الشيخ محمد بن إبراهيم الخضير، وكان وقتها أصدر قرارا بألا يتم تعليق الدراسة عند أدنى هبَّة غبار أو قطرة مطر، وجاء بالقرار أن أمر التعليق يتم وفق ضوابط، فلا يتم التعليق إلا عندما يُتوقع أن هناك خطرا على الطلاب والطالبات.
وهنا أذكر والحضور يتحدثون عن هذا القرار أن خاطب أحد ممن حضر معالي د/ العيسى قائلا: إن هذا الأمر ليس من الأوليات فهناك أمور أهم للبدء بها: فرد عليه الوزير بجواب جميل مقنع: لقد اهتممت بهذا الأمر ليس لأنه هو الأهم في سلم أوليات العمل بالوزارة لكن بدأت به لأني من خلاله أريد أن أزرع"الجدية" في أفئدة الطلاب والطالبات ليكون حرصهم على الحضور للمدرسة لا الغياب عنها، وبدون هذا الإحساس تهتز رسالة التعليم ويقل التحصيل، وقد حييت الوزير وقتها على هذه النظرة الحازمة وكل من حضر بالمجلس اتفق مع هذه النظرة.
وفعلا بدأ التطبيق واستمر ونجح وفق هذه الضوابط وأوكل الأمر لمديري التعليم بأنحاء المملكة بالتنسيق مع الجهات المعنية كهيئة الأرصاد والدفاع المدني، ولم يلتفت معاليه وقتها إلى بعض الأصوات التي ارتفعت وترتفع بين آونة وأخرى تطالب عند أدنى تغيير مناخي بتعليق الدراسة دون مبرر مقنع.
عودة هيبة المعلم ضرورة
تعليمية وتربوية.
أتطلع أن تمتد هذه المعادلة إلى نظرة الطلاب لمعلميهم لغرس تقديرهم وهيبتهم في عقول طلابهم لتختفي بعض التصرفات التي تحصل من بعضهم والتي نؤمل بالقضاء عليها إعادة هيبة المعلمين والمعلمات ليؤدوا رسالتهم.
من هنا أرى دراسة عودة العقوبات البدنية للمدارس وفق شروط دقيقة مثل ألا تكون العقوبة مبرحة وأن يتم ذلك بإشعار الإدارة مع وضع عقوبة على المعلم الذي يتجاوز العقوبة المسموح بها أو يوقع العقاب دون سبب مقنع.
الطلاب والنشأة بين ترف
اليوم وجدية الأمس
أختم هذه الفقرة برسالة مؤثرة أرسلها لي صديق عبر الواتس، وقد وجهها كاتبها إلى زملائه بزمن الدراسة الجميل، وإلى طلاب اليوم:
"نحن الجيل الذي مشى إلى المدرسة ذهابا وإيابا راجلين بلا توصيل "عز القايلة" طوال التسعة أشهر"السنة الدراسية".
جيل اختبار المنهج كاملا من الجلدة إلى الجلدة لا ملازم ولا مدرس خصوصي ولا خيارات.
جيل"اكتب القطعة 10 مرات" وحل المسائل على السبورة أمام الطلبة.
جيل المجلات الحائطية والنشاط الإذاعي والمسرحي والرياضي والمسابقات الثقافية.
نحن جيل لم ينهز نفسيا من عصا المعلم.. ولم يتأزم عاطفيا من ظروف العائلة.. ولم تتعلق قلوبنا بغير أمهاتنا.. ولم نبك خلف المربيات عند السفر.
نحن جيل لم ندخل مدارسنا بهواتفنا النقالة.. ولم نشك من كثافة المناهج الدراسية.. ولا حجم الحقائب المدرسية.. ولا كثرة الواجبات المنزلية.
نحن جيل لم يستذكر لنا أولياء أمورنا دروسنا.. ولم يكتبوا لنا واجباتنا المدرسية.. وكنا ننجح بلا دروس تقوية.. وبلا وعود دافعة للتفوق والنجاح.
الله على ذلك الزمن: كنا طلابا ومربين وآباء بغاية العطاء والارتياح"
خطوات نابهة لتحفيز المعلمين:
المعلم هو ركن ومكون المحصلة المعرفية لدى الطالب لهذا لابد أن يحظوا بكامل التقدير المعنوي والمادي
ولاحظنا بدايات هذا الاهتمام عمليا من معالي د/ أحمد لإدراكه لأهمية حفز المعلمين بإعطائهم مميزات تحفيزية مثل التأمين الصحي المخفَّض الذي استطاعت أن تحصل عليه الوزارة من خلال مفاوضاتها مع الشركات التي ترى أن دخول هذه الأعداد الكبيرة في غطائها التأميني يحقق لها الربح ولو بأسعار منخفضة.. وقد جعلت الوزارة التأمين الصحي المخفض خيارا أمام مربي ومربيات الأجيال.
إن الوزير العيسى موعود بالنجاح في قيادة المركبة التعليمية فهو يتمتع ببعد النظر واحترام الآخرين والطرح المعتدل عندما يتحدث أو يبدي رأيا، وهذا انعكس على سلامة القرارات التي يصدرها من خلال تأنيه وتأمله لأي قرار تعليمي، وتعمر الثقة نفوسنا ونحن نشعر أن دفة التعليم بيد رجل كفء جاد، معه رجال رسم لهم المنهج الذي يسيرون عليه سواء داخل أروقة الوزارة أو إدارات التعليم، أو ميادين المدارس والجامعات.
وفقهم الله جميعا.