لا أعتقد أنه قد بقيت دولة في العالم لم تناقش ما يسمى بقضية المرأة السعودية التي تبناها الإعلام العالمي وصدقها الإعلام العربي وكأنه تم التغلب على القضايا الإنسانية الملحة التى تقلق ضمير العالم، خاصةً القضايا المصيرية مثل قضية الروهينغا التي يُقتل فيها المسلمون أمام الرأي العالمي، أو قضية الشعب الفلسطيني التي تنتهك حقوقه منذ تهجيره من وطنه، أو نساء وأطفال سوريا، أو المليون شهيد عراقي.
فأين قضية المرأة السعودية من هذه القضايا إن كان هنالك قضية في الأصل.
فالمجتمع السعودي كاملاً يواجه تغيرات كثيرة وجذرية متأثراً بما حوله من تحولات سياسية واقتصادية واجتماعية من حروب إقليمية، واقتصادية بسبب تأثير وتأثر سوق النفط، والانفتاح إعلامياً على الغرب، والتوقيع على معاهدات عالمية سمحت للعولمة بغزوها الفكري للمجتمع والأسواق، لتمحو بالتدرج الكثير من القيم المجتمعية المحلية وتحل محلها أيدولوجيات تفتقد للروح والقيم التي بُنيت عليها البلاد وأعطتها القوة للوقوف أمام العالم شامخة على مدى أعوام عديدة ومنذ نشأتها.
تأثير هذه التغييرات كان كبيراً على الأسرة السعودية المحافظة وعلى أفرادها من شباب وشابات لدخولهم في عالم جديد ومتغير مختلف في قيمه ومفاهيمه وقوانينه عن تلك التي نشأ عليها، مما أدى إلى إحداث خلل في الكثير من الموازين التي كانت تحافظ وتعمل على تماسك الأسرة واحترام تقاليدها.
كما أن هنالك عدة عوامل ساهمت في اهتزاز هذه الأسس، وإحداث تغييرات في المفاهيم منها:
- نتائج البعثات التعليمية المكثفة للخارج.
- تغرير الجهات المتطرفة داخل وخارج البلاد للشباب بسبب السياسة العالمية تجاه القضايا العربية والإسلامية والرغبة في الدفاع عن تلك القضايا.
المرأة السعودية كانت جزءاً مهماً ومستهدفاً في التغيير، وكان يجب أن يُنظر إلى تطورها وفق حاجة المجتمع وبما يناسب تطلعاته المنبثقة من قيمه والمحافظة على هويته المستسقاة من كونه مهبط الرسالة وانطلاقة بزوغ وانتشار الإسلام في الجزيرة العربية إلى العالم كله.
ووجود الحرمين الشريفين بأرضها وتحمل المجتمع بكامله مسؤولياته لخدمتهما وزائريهما والشعور بأهمية المحافظة على القيم الإسلامية التي ظهرت من أرضه وحمايتها من أي تدخلات وتطلعات لدول أخرى طامعة به، ومستغلة لأي ثغرات لتقلب موازين القوى والمطالبة بأحقية حمايته.
لابد من التأكيد على أن المرأة السعودية هي جزء أساسي ومهم من الأسرة والمجتمع وليست مستقلة تماماً كما يحب الغرب أن يصورها حسب المقاييس التي وضعت للمرأة الغربية في ظل مجتمع تطور فردياً على حساب الأسرة بكاملها، فأصبحت المرأة لديهم ضحية هذا التطور. ولذلك فإن المرأة السعودية على مفترق طرق خطير، فهي تسعى لتحقيق ذاتها كفرد فعال في المجتمع، مهيئة لمن يخلفها من أجيال قادمة للانتفاع بما حققته من نجاحات، كما بنت هي نجاحاتها بتشجيع وحكمة ودعم منن سبقها في رسم طريقها ومنهجها.
وهنا سؤال يجب أن يُطرح لترد عليه النساء السعوديات، والمجتمع السعودي بكل شفافية:
ما هو السقف الذي يجب أن نصل إليه في مجال علاقة المرأة بالرجل ووضعها داخل الأسرة المسلمة بقوانينها وأعرافها وقوتها مع أخذ المرأة مكانتها في المجتمع كعضو فعال دون خسارة مكتسباتها كأم وزوجة داخل الأسرة ؟
لأن أي خلل في العلاقة بين الرجل والمرأة سيكون له تأثيره كبيراً على الأبناء من ضياع وانحسار في الأخلاق، وبعيداً عن تعاليم ديننا التي بسببها استطعنا المحافظة على الأسرة السعودية المسلمة المتمسكة بدينها حتى الآن.
وهذا الخلل المتوقع سببه فقدان الميزان الذي قدمته لنا الشريعة الإسلامية والذي يتطلب حُسن التطبيق للحفاظ على حقوق جميع أطراف الأسرة في توازن يعطي حق الفرد والأسرة دون تعدي حق على الآخر؛ لأن فقدانه سيكون على حساب المجتمع كاملاً والأسس التي بُنيت عليها الأسرة التي حافظت على هويتها الإسلامية في المجتمع المسلم.
فحقوق الأسرة بكاملها أمانة ونحن مسؤولين عنها جميعاً ولابد من الدفاع والمحافظة عليها في ظل هذا الموج الهائج من التشريعات والمعاهدات التي ألزمت بلادنا بالتوقيع عليها لتمكنها من الدخول في دائرة دول الأمم المتحدة المتقدمة من حيث قوانين الأسرة، وترك التشريعات الإسلامية وهو الأمر الذي أحدث رؤية ضبابية في كيفية المحافظة على تشريعات الأسرة الإسلامية أمام جملة هذه القوانين المتعددة والمتناقضة؟! وهو الذي جعل الغرب يطرح مشروع (المرأة القدوة) بشكل صريح وواضح ضمن إطار معين قد نتفق في بعض تفاصيله ونختلف مع الكثير منها وفق (نموذج القدوة النسائية الإسلامية) بسبب تقاعسنا في إبراز نموذج (المرأة السعودية القدوة) منذ توحيد المملكة وحتى عصرنا الحاضر.
لابد أن نعي أن قوة المرأة وشجاعتها هي بتمكينها من سلاح العلم ومنحها الفرصة لممارسة دورها في مجتمعها بكل ثقة، وعدم سلبها اختياراتها بفرض نماذج تحتذي بها من الخارج كقدوة تتبعها لأنها فقدت ما يمكن أن تفتخر به من قدوة محلية (يُعتم عليها الإعلام بقصد أو من غير قصد).
وللأسف أن وضعنا كمجتمع مستهلك تجاوز حدود ما نأكل وما نلبس، وتجاوز الصناعات المختلفة إلى أن أصبحنا مستهلكين في استيراد القدوة الغربية بدلاً من القدوة المحلية التي طالما افتخرنا بها.
** **
- عضو مؤسسة الملك سعود، رئيسة الجمعية الفيصلية