عماد المديفر
في الوقت الذي وصف فيه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -أيده الله- في كلمته الضافية في ختام أعمال (القمة العربية الإسلامية-الأميركية) النظام الإيراني بأنه «رأس حربة الإرهاب العالمي منذ ثورة الخميني وحتى اليوم»، وهو ما أكده فخامة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في كلمته في القمة، والتي شدد فيها على أن النظام الإيراني: «مسؤول عن عدم الاستقرار في المنطقة.. من لبنان إلى العراق فاليمن وسوريا»، وأن «إيران تمول وتسلح وتدرب الإرهابيين والمليشيات والمجموعات المتطرفة الأخرى التي تنشر الدمار والفوضى عبر المنطقة»، مضيفاً بأنها «لعدة عقود وهي تعمل على إشعال نيران النزاعات الطائفية»، وأن «على جميع الدول ذات الضمير أن تعمل معاً لعزل إيران»؛ يخرج علينا أمير قطر في خطاب مغاير ومخالف، ومنشق عن الصف العربي الإسلامي الأميركي، ومخرجات قمة الرياض، ليصطف علناً مع عمائم الشر والإرهاب في طهران، بعد أن كان يسعى فيما مضى لمداراة هذا الاصطفاف، وإبقائه في السر قدر الإمكان، وتقديم مواقف في العلن تبدو وكأنها تقف مع الدول العربية والإسلامية في سياسة أفضل ما يصفها به البعض أنها «منافقة، وجبانة»!
اليوم يكشف أمير قطر من خلال تصريحاته -التي يدعي وزير خارجيته أنها ملفقة وأثبتت الوقائع والأحداث أنها لم تكن كذلك- يكشف موقف قطر الحقيقي دون مواربة؛ من خلال وصفه دولة الرجعية والظلام الخمينية بأنها « ثقل إقليمي وإسلامي لا يمكن تجاهله، وليس من الحكمة التصعيد معها، خاصة أنها قوة كبرى تضمن الاستقرار في المنطقة» ويدعو إلى التعاون معها بدلاً عن مواجهتها ووضع حد لتصرفاتها المارقة التي طال أذاها العديد من الدول والشعوب العربية والمسلمة بل والعالم أجمع.
الواقع أن مواقف تميم وقبله والده ميدانياً في صف طهران وأذرعها في المنطقة كحزب الله والحوثيين وغيرهم؛ ليست وليدة هذه التصريحات، كما أن مواقفها العملية المناوئة للدول الخليجية والعربية ليست بالجديدة هي الأخرى.. فقبل أيام معدودة فقط من أعمال قمة الرياض كان العقيد عبدالرحيم الجناحي في إيران على رأس وفد عسكري قطري شارك في مناورات عسكرية مع ميليشيات الحرس الثوري الإيراني المصنف دولياً كتنظيم إرهابي.. حيث صرّح العقيد القطري بالصوت والصورة بأنه جاء مع وفد بلاده العسكري بتوجيه من مسؤوليه في دولة قطر وأنهم «سعداء بالمشاركة» وختم بأنه يعتز ويفتخر بـ«العلاقات القوية بين البلدين» وأن الهدف من المشاركة بزعمه «تبادل الخبرات» مع عصابات الحرس الثوري الإرهابي الإيراني!
هذا بخلاف ما كشفه الرئيس العراقي حيدر العبادي من دعم قطر المالي وبمبالغ مهولة للعصابات والميليشيات الشيعية الطائفية المتطرفة في العراق وذات الصِّلة المباشرة بالحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس وقائده الإرهابي قاسم سليماني، والذي تكشفت معلومات موثقة أيضاً عن اجتماع سري لهذا الأخير في بغداد مؤخراً بوزير خارجية قطر شخصياً.. عدا عن دعم قطر المعلوم لجماعات وميليشيات متطرفة في سوريا كجبهة الجولاني ودعمها لتنظيم الإخوان المسلمين..
لقد سبق لنا وتغاضينا كثيرا عن العديد من هذه السياسات التي أقل ما توصف به بحسب محللين أمريكيين وعرب بأنها «منافقة»
و«ذات وجهين»..في محاولة منا لاحتواء قطر ولملمة الصف الخليجي.. ليس آخر ذلك أن تجاهلنا مثلاً ما صرّح به قائد حرس الحدود الإيراني المدعو (قاسم رضائي) في أعقاب اجتماعه الرسمي بمدير أمن السواحل والحدود في قطر علي أحمد سيف البديد، بأن الطرفين وقعا على اتفاقية تعاون لـ(حماية الحدود) القطرية! وأن هذه الاتفاقية تشمل اتفاقاً عسكرياً يسمح بـ«دخول البحرية الإيرانية المياه القطرية»..! وأن «تساعد إيران وتدرب القوات البحرية القطرية في جزيرة قشم». الأمر الذي أثار وقتها حفيظة الشعوب الخليجية العربية قاطبة، وليصمه بعض المغردين الخليجيين بـ«الخيانة» و«العار» خاصة في ظل ضلوع طهران في الحرب المستعرة الدائرة رحاها ضد أبناء الشعب اليمني الشقيق وقيادته الشرعية من قبل أذرع إيران التخريبية والإرهابية هناك، وعلى رأسهم جماعة الحوثي وتنظيم القاعدة في جزيرة العرب.. اللذان يستهدفان المملكة أيضا.
عندما تتخذ موقفاً ما ثم تتبعه بأفعال.. ثم تتبع هذه الأفعال بتصريح يكشف حقيقتها وحقيقة تلك المواقف.. فأنت هنا تؤكد أنك أقدمت على أفعالك تلك عن وعي تام ودراية «مع سبق الإصرار الترصد» وبالتالي فيجب عليك أن تتحمل نتائجه وتبعاته بشكل كامل.. هذا الحال ينطبق على الأفراد العاديين.. فما بالنا بقادة الدول؟!
نفي وزير خارجية قطر لا قيمة له.. لسببين رئيسيين؛ الأول أن قصة «الاختراق» المزعومة تلك ثبت تقنياً عدم صحتها، إذ إن التصريح جرى نشره ليس فقط في موقع وكالة الأنباء القطرية الرسمية على الانترنت، بل شمل منصات وتطبيقات مختلفة ومتنوعة وغير مرتبطة تقنيا بالموقع.. كحساب الوكالة مثلاً على تويتر والانستغرام وغيرها.. عدا عن أن الوكالة ذاتها أرسلته لوكالات أنباء مختلفة، قامت هي الأخرى ببثه.. السبب الثاني؛ أن أفعال وسياسات قطر في الواقع تنسجم انسجاماً تاماً مع ما جاء في تصريحات أميرها الأخيرة، والتي تبرأت منها قطر لاحقاً بعد أن شاهدت ردة الفعل المستحقة والصريحة من الإعلام السعودي تجاهها.
القطريون المخلصون لدينهم ووطنهم وأهليهم يعلمون تمام العلم أننا وإياهم واحد.. ولا أحد يحب ويقدر الشعب القطري، وعلى استعداد للدفاع عنه وحمايته بكل ما يملك، مثلنا نحن.. أهلهم وسندهم وناسهم في المملكة.. لكن عليهم أيضا أن يعلموا بأنه ما لم يخرج تصريح واضح من أمير قطر يوضح موقفه مما ورد في التصريح السابق، وبشكل مفصل.. نقطة نقطة.. وموضوع وموضوع.. ثم تصدق أفعاله أقواله؛ فلا يتوقعوا منا أن نستمر في تغاضينا عن ذلك كما كان في السابق.. حرصا على أهلنا وأشقائنا في قطر قبل أي أمر آخر. إذ لا تهاون مطلقاً في المسائل التي تمس الأمن الوطني لدول مجلس التعاون.
إلى اللقاء.