جاسر عبدالعزيز الجاسر
قراءة التاريخ والتمعن بوقائعه لاستنباط الفائدة والتعلم يعد فرضاً ملزماً لمن يُعدُّ لقيادة الدول أو حتى لإعداده لتسلم منصب كبير، لأن التاريخ مدرسة جامعة لمن يعرف كيف يستنبط منه العبر.
التعلم من التاريخ الذي كان مصاحباً لملوك وسلاطين وأمراء وقادة الدول ساعد كثيراً في تجاوز دول عديدة لمشاكل عالجها قادة ممن تعلموا من فهمهم للتاريخ ودراسته، إلا أنه مثلما التصق الكثير من القادة بالتاريخ هناك آخرون هجروا التاريخ وابتعدوا عنه، حتى لم يعودوا يتذكرون التاريخ القريب ولم يتعظوا بما حصل لبلدان ليست بعيدة.. ولهذا فإنهم يكررون نفس أخطاء من سبقوهم وجروا بلدانهم لكوارث تركت آثاراً سيئة على دولهم وشعوبهم لازالوا يعانون منها والذين لهم وَّلهٌ وحب في دراسة الوقائع والصور التاريخية والأحداث يشعرون بقلق على بلدان أخرى تشهد تكراراً لصور ووقائع أودت بالعديد من الدول إلى مهالك وأزمات كثيرة، وقائع تتكرر وإن اختلف المكان وتغير الزمان وبشخوص آخرين وإن تطابقت أفعالهم لتوافق تفكيرهم ممن سبقوهم والذين أوصلوا بلدانهم إلى الخراب.
والدارس للتاريخ يتخلص من الهوى ومن الميل ويحصر تفكيره فيما يصل إليه من تحليل وتفسير لما يحدث أمامه، ولهذا فإن من ينظر إلى أفعال من يتحملون مسؤولية قيادة دولة قطر لا يسعه إلا أن ينبه ويحذر من الاندفاع الجارف والإصرار على ارتكاب أخطاء ثبتت آثارها السلبية على الدول وعلى المجتمعات.
لا نريد أن نفتح جراح الماضي ونذكر بمصير من اعتمد على غير قومه ومن لا يتوافق معه فكرياً ومذهبياً ودينياً، منحازاً له، معادياً أبناء وطنه الذين يشاركونه الدين والمذهب والقومية، ومن يريد أن يتعلم ما عليه سوى العودة قليلاً ليقرأ التاريخ بشرط أن يبتعد عن ارتكاب أخطاء الآخرين، وأكثرها جرماً البعد عن الأهل والارتماء في حضن الأعداء الذين يضمرون لك العداء وتمتلئ قلوبهم بالحقد عليك وعلى كل ما حققته، ولكي يقودوك للهلاك يثيرون الخلاف والبغضاء بينك وبين أهلك.
ليس أهل الخليج العربي فقط، بل كل من تعامل مع الفرس ومع الصفويين يعلم أن هؤلاء القوم يكنون العداء للعرب ويحقدون على المسلمين منذ نشروا الهداية في قلب فارس، فهل من الحكمة أن نقف في صف هؤلاء معادين أهلنا وممن ننتمي إليهم.
آخر الأخطاء بل ما يمكن اعتبارها جريمة بحق أهل السنة العرب في العراق ما ارتكبته قطر بتقديم خمسمائة مليون دولار (نصف مليار) تبرعاً للحشد الشيعي العراقي الذي يقتل ويعذب المسلمين السنة في العراق، متفوقاً في إجرامه على نظيره الإرهابي داعش.
نصف مليار دولار قدمها وزير خارجية قطر تبرعاً لذراع ملالي إيران الإرهابي في العراق بعد لقاء قاسم سليماني ووزير خارجية قطر.. دعم مالي لتنظيم إرهابي ماذا سينتج عنه؟! وأي عمليات إرهابية ستنفذ؟! وفي أي دولة عربية؟! البحرين أو الكويت أو السعودية أو الإمارات؟!.
جرم التبرع للحشد الشيعي العراقي ومقابلة قاسم سليماني للتنسيق للعمليات الإرهابية القادمة إضافة إلى كل ما تقوم به قطر يذكرنا بما كانت عليه قيادات عربية وغير عربية سابقاً أوصلت بلدانها إلى مصير مظلم نعلمه ويعلمه القطريون، ولكنهم لم يقرؤوا التاريخ جيداً، وحتى إن قرؤوه لم يتمعنوا فيه.