محمد سليمان العنقري
طالبت اللجنة المالية بمجلس الشورى الموقر المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية «أن يتضمن تقريرها المقبل ما تم تفعيله من توصيات الخبير الاكتواري للمؤسسة، وأهمها تخفيض المنافع التأمينية المقدمة وزيادة الاشتراكات التأمينية وإجراء إصلاحات شاملة للنظام تهدف إلى ضمان الاستدامة المالية»، وذلك بحسب الخبر الذي نقلته صحيفة الرياض، بل ذكر أيضاً أن اللجنة حثت عبر توصية لها على الإسراع في تبني المرئيات التي توصل لها تقرير المؤسسة بأهمية تحديث شروط التقاعد المبكر.
بداية لا يمكن التأكد من تفاصيل ما ناقشته اللجنة المالية لأنه لم يذكر على لسان رئيسها أو أي عضو فيها بما تم نشره بالخبر، لكن بما أن التقرير تمت مناقشته، ومن الواضح أن هناك رأي للجنة حوله فلابد أن يصدر توضيح منها حول رأيها بالتقرير بدلاً من نقله إعلامياً دون تصريح رسمي شفاف، لكن لو أخذنا بتفاصيل ما جاء من توصيات بالخبر إذا افترضنا دقتها فإنه من المستغرب أن تطالب اللجنة بتفعيل توصية تقرير المؤسسة بخفض المنافع التأمينية للمشتركين، فهل سألت اللجنة ما هذه المنافع! هل تعطي المؤسسة راتباً تقاعدياً مرتفعاً إلا تعلم اللجنة أنه بأحسن الحالات لا يحصل جل المشتركين عند التقاعد على أكثر من 62.5 % بل إن الكثير يحصل على أقل من ذلك بقليل بدون أن نضيف نسباً لمن يكونون تحت رعاية المتقاعد زوجته أو أبناءه بينما المتقاعدون من الخاضعين لنظام مؤسسة التقاعد يصل من يخدم 40 سنة على راتبه الأخير كاملاً، وكثيراً يحصل على نحو 80 % ممن خدمتهم أكثر من 30 سنة، وهل هناك منافع تأمينية أهم من الراتب التقاعدي يمكن أن ينظر بالمقارنات والتقييم، أما رفع نسبة الاشتراكات فهو أصلاً ليس منخفضاً بل يعد من أعلى نسب الاستقطاع عالمياً ولا يجب أن نغفل ارتفاع تكاليف المعيشة المتوقع خلال السنوات القليلة القادمة مع رفع الدعم وفرض رسوم على بعض الخدمات، وكذلك تأثير ضريبة القيمة المضافة والانتقائية على مستوى الأسعار العام.
ثم هل ناقشت اللجنة تصريحات معالي محافظ المؤسسة قبل أسابيع أنه لا يوجد مشكلة مالية وأنهم قادرون على تغطية المنافع لجيلين قادمين بل وبعدد السنين تبلغ المدة نحو 60 سنة وأن المحاسبة الاكتوارية تتوقع مشكلة بعد ذلك التاريخ أي بعد العام 2077 م، فهل ستبقى الأوضاع على ما هي عليه من حيث الإيرادات، إذ يتوقع أن يكون التركيز على التوظيف وتوليد فرص العمل بالقطاع الخاص وكلهم سيخضعون لنظام التأمينات مع ميزة نسبية أن المجتمع يمتاز بأنه فتي ونحو 68 % من السكان دون سن 30 سنة، وهو ما اعتبره تقريراً لصندوق النقد قبل عامين نقاط القوة لدى أنظمة ومؤسسات التقاعد محلياً خصوصاً التأمينات، يضاف إلى ذلك أيضاً إذا ما تم تفعيل الخصخصة فسيحيل أعداداً كبيرة من الموظفين بالقطاع العام لنظام التأمينات الاجتماعية، أما التركيز على التقاعد المبكر بين فترة وأخرى واعتباره قلقاً كبيراً فهو أمر مستغرب وكأنه لا يحق للمشترك أن يحدد زمناً لكي يتقاعد من العمل، فهل ربع قرن من العمل تعادل قرابة 40 % من متوسط أعمار المشتركين قياساً بمتوسط أعمار السعوديين وفق مؤشرات التنمية البشرية تعد فترة قصيرة بنظر المؤسسة!! أليس الأجدر تقديم تقارير مفصلة عن عائد استثمارات المؤسسة وتفاصيل توزيع الأصول ومقارنتها بالمعايير الأساسية للاستثمار الناجح لصناديق التقاعد العالمية بدلاً من وضع حلول على حساب المشترك قبل تحسين جودة وعائد الاستثمارات ومعالجة بعض الخلل في معلومات المشتركين الذين يسجلون برواتب أقل مما يتقاضونه؟.
أما ما يطرح سؤالاً مهماً كيف تأخذ اللجنة المالية فقط بتقرير المؤسسة وما تضمنه من تقرير الخبير الاكتواري الذي بالتأكيد لن يبتعد كثيراً عن رؤية المؤسسة، فكان يفترض أن تطلب اللجنة تعيين خبير اكتواري من طرفها كرأي استشاري، بل ودراسة تفاصيل الواقع المالي والاستثماري للتأمينات، فمن خلال تقرير صدر عن صندوق النقد العام 2014م يوضح أن قيمة أصول المؤسسة تصل إلى 419 مليار ريال بينما إذا استبعدنا الاشتراكات من الإيرادات التي بلغت بوقتها 37 مليار ريال فإن عائد الاستثمارات يبلغ نحو 13 مليار ريال سنوياً بما يعني أنه يعادل 3 % فعلياً من حجم الأصول، فهل ناقشت اللجنة تفاصيل واقع استثمارات المؤسسة.
أما الملاحظ بما يخص تقرير الخبير الاكتواري فهو أن اللجنة بحسب ما نشر بالخبر طالبت بتنفيذ توصياته وسلّمت بأنها هي خارطة الطريق الصحيحة، وهنا نود تذكير اللجنة الموقرة بقرار مؤسسة النقد قبل نحو ثلاث سنوات عندما طالبت شركات التأمين بتعيين خبير اكتواري نتج عنه ارتفاع أسعار تأمين المركبات بفترة قياسية لم تتعد العامين بأكثر من 200 % دون أي منافع فعلية على العملاء إلى أن قامت إدارة مؤسسة الجديدة خلال الأشهر القليلة الماضية بإصلاح ذلك الخلل والعودة لتنظيم بوليصات التأمين والأخذ بتقييم سجل الذي يؤمن على مركبته من حيث الحوادث، مما يعني أنه ليس بالضرورة أن يكون تقرير الخبير الاكتواري الذي تعينه التأمينات بالدقة التي ترغب بها لجنة الشورى لتحقيق العدالة للمشتركين بالتأمينات، فمن غير المنطقي أن يكون رأي لجنة أو مجلس الشورى مبنياً على تقرير وتوصيات الجهة نفسها دون أي تقييم وفحص من جهات يعينها أو يطلب رأيها المجلس تكون مرتبطة به وليس بالمؤسسة، ليس من باب التشكيك بجهودها إنما لتكون القرارات أكثر شمولية وجودة وإلا ما الفائدة من عرض التقرير على مجلس الشورى إذا لم يكن له أدوات يقيم من خلالها تقارير كل الجهات التي تعرض تقاريرها عليه وليس التأمينات الاجتماعية فقط.
اللجنة المالية بالشورى أمامها مسؤولية كبيرة بإبداء الرأي السديد المطلوب المبني على معايير عديدة واستعانة ببيوت خبرة من طرفها لتقييم واقع مؤسسة التأمينات لتكون القرارات والتوصيات صحية لصالح الاستدامة المالية للتأمينات ولتحسين منافع المشتركين، مع أهمية أن تطرح اللجنة تساؤلاً بل وتبدي رأيها بطريقة بعدد وصلاحيات ومهام وطريقة اختيار أعضاء مجلس إدارة المؤسسة الذين يمثلون المشتركين لرفع مستوى تأثير المشترك بقرارات المؤسسة وتوجهاتها مع رفع مستوى الحوكمة والشفافية فيها.