د. أحمد الفراج
جاءت فكرة تأسيس مجلس التعاون الخليجي بعيد ثورة الخميني، وكانت الفكرة الرئيسية أن تتوحد دول الخليج تدريجيا، وصولا لاتحاد كونفيدرالي، وكان هذا، ولا يزال ممكنا، حيث التشابه الثقافي والاقتصادي والاجتماعي حد التطابق، وسار أمر المجلس على ما ينبغي، رغم بعض العثرات التي تعالجها حكمة شيوخ الخليج، وقد شهد المجلس تطورات متسارعة، إذ كان التفاهم هو سيد الموقف، وكانت علاقات الشيوخ أخوية أكثر منها رسمية، ثم بعد حوالي ربع قرن من تأسيس المجلس، وفي خضم نجاحات خليجية وحدوية غير مسبوقة، حدث ما لم يكن بالحسبان، وهو الأمر الذي أحدث جرحا نازفا في منظومة الخليج، لا نزال نعاني منه حتى يومنا هذا.
في منتصف التسعينات من القرن الماضي، حدث في الدوحة انقلاب أبيض، إذ خلع حمد بن خليفه والده، وأعلن نفسه حاكما لدولة قطر، وقد أصيبت دول الخليج الأخرى بصدمة، وكانت كل الأحداث، التي صاحبت الانقلاب السريع والمريب، تشير إلى أن هناك شيئا ما، يحاك في الخفاء، فالأمر ليس بريئا على الإطلاق، وأعقب ذلك تحول دولة قطر الصديقة إلى دولة تتخصص في المناكفات مع جيرانها، وتفتعل الأحداث، وتنتهج سياسات متناقضة، وبدا الأمر كما لو أنه تم غرس دولة جديدة، بدلا من دولة قطر الشقيقة، وصارت تصرفات وسياسات حاكم قطر الجديد لا تشبه الخليج، ولا تمت بصلة لأعراف الخليج، وعاداته وقيمة، حتى أصبحت سلوكيات قطر الجديدة، أو قطر حمد، مجال تندر وتعجب للمتابعين، وكلما مرت السنوات، ازدادت «قطر حمد» بعدا عن محيطها، وكان يساندها في ذلك قناة الجزيرة، التي كانت جهازا استخباراتيا موجها، أكثر منها قناة إعلامية، تملك الحد الأدنى من المهنية.
كان لافتا أن قناة الجزيرة تشبه قطر حمد، حيث الإثارة والتناقض والمفاجآت التي لا تنتهي، فالجزيرة كانت تستضيف عتاة القومجية ليشتموا إسرائيل، وفي ذات اليوم، تنشر خارطة فلسطين على شاشتها، ممهورة باسم إسرائيل، كأول قناة عربية تفعل ذلك، وهكذا كان حمد بن خليفه، وعضيده حمد بن جاسم، الذي كان يشرف على قناة الجزيرة الإسلاموية- العروبية نهارا، ويزور إسرائيل ليلا، ولم تتكشف حقيقة الأدوار الكبرى، المناطة بقطر الجديدة، إلا بعد التثوير الاوبا-اخواني، فقد كانت قطر حمد هي الممول الرئيس لما سمي بربيع العرب، والجزيرة هي ذراعه الإعلامي، ولهذا حكايات كبيرة، سنتطرق لها بكل تأكيد!.