د. خيرية السقاف
لرمضان وقاره وهيبته, يتجسّد قائماً في كل لمحة, وفي الشاردة, والواردة ..
كأنه القرين يرافقنا حيث نحل, رقيباً ننأى عن الخطأ في حضوره,
نهاب الزلل في معيته..
عيناً ترقبنا نستشعره , وناظراً يؤنِّبنا نوقره..
بيْد أنه كلٌّ متكاملٌ غير منظور لبصرنا البشري محدود الروية..
وبعُـْدٌ مأمولٌ نتوغل فيه بإرادتنا..
فيه سكينة تعترينا فترخي عنفواننا, وتُلجم ضجيجنا,
تكبح اندفاعنا, وتهذب صُرْعتَـنا !
هذه السكينة تتلبّسنا حتى نكاد أن نكون غير الذين خارجه كنا..
وقاره يلهمنا التؤدة في كل حركة
وسكينته تمدنا بالصبر ما تأملنا..
عذْبه يغسلنا كما تفعل الأمطار بالسطوح المغْبرَّة!
وفيضه يروينا كما تفعل انهمارها في بطون الثرى!
إنْ جعلناه مدرسة فنعم العلوم ما يهبنا..
وإنْ رأيناه معلماً فنعم البناء يؤسِّسنا..
من تاه يأخذ به نحو الجادة,
ومن نام برفق ندائه المتسلل للجوارح يوقظه ..
فيه يتجلى صوت الرب يحدثنا,
كلما تلونا سمعناه, وكلما أصغينا وجدناه..
يا الله , أي مكنون عمَّرت به رمضان؟!
وأيّ سماتٍ وهبته, وبأيِّ صفات جمَّلته؟!
آية نورانية لعظمتك يا رب, ولجمالك يا رب, ولهباتك الخفية ,
والظاهرة الهادئة في مُكونها, الوارفة في حضورها, الناطقة في مثولها..
السادس اليوم في أيامه..
أراه خفيفاً لا يُثقِـل,
طائفاً لا يمكث, سريعاً يقول ما يريد ,
شاهداً يرى ما نكون,
أميناً حاملاً عنا ما يكون !..
وقورٌ هذا الضيف,
ليته الذي لا يبارح,
وليتنا الذين لا نغفل..