فهد بن جليد
بينما كان الشيخ العلامة محمد بن عثيمين -رحمه الله- يسجل إحدى حلقات البرنامج الإذاعي الشهير «نور عى الدرب» ويجيب على أسئلة ورسائل المُستمعين في ملحق منزله المُخصص لذلك, دخلت أصوات طرق بعض العمال لجدار المنزل المجاور - على صوت التسجيل الذي بدأ للتو - كونهم يقومون بتكسير «بلُوك الجدار»، فقام الشيخ حتى يطلب منهم التوقف ليتمكن من التسجيل ثم يعاودوا التكسير بعد ذلك.. ولكن الشيخ عاد دون أن يخرج من الباب، وقال للإعلامي عبدالكريم المقرن مذيع البرنامج من الذي بدأ أولاً يا عبدالكريم ؟ فقال هم يافضيلة الشيخ، قال إذاً نؤجل التسجيل لبعض الوقت حتى يفرغ عامل التكسير من عمله...
موقف عظيم، ودرس كبير - كهذا - يحمل في طياته معان مُتعددة، على بعض الدعاة وطلبة العلم من المفتونين بالفضائيات والأضواء والشهرة، والذين يشترطون الكثير من الشروط المُبالغ فيها للخروج الفضائي أو الإذاعي الاستفادة منه وفهمه، لأنَّه من المُنتظر أنَّ كل طالب علم أو داعية يقدم نموذجاً تطبيقياً لتلك المعاني الجميلة التي تعكس ما يحمله من علم وفهم ودراية، دون أن يدخل مضمار مُنافسة نجوم الفن والرياضة في طلباتهم واشتراطاتهم في الظهور من باب حب الشهرة والأضواء دون أن يعلم، مع حفظ حق الدعاة و طلبة العلم بما يضمن لهم سمتَهم ومكانتهم اللائقة والمناسبة للظهور عبر وسائل الإعلام، وحفظ حقوقهم المادية والتجهيزات المكانية والزمانية اللازمة لهم كضيوف من الدرجة الأولى، بعيداً عن ما يلمسه معدو ومقدمو بعض البرامج الدينية من بعض الدعاة ومدراء أعمالهم، والذي يجعل بعض الضيوف بعيدين كثيراً عن موقف الشيخ محمد بن عثيمين، مع تقديري أنَّ الوقت والأدوات تغيَّرت بين الزمانين.
الشيخ عبدالكريم بن صالح المقرن مقدم البرنامج الإذاعي الشهير نور على الدرب سرد في كتابه الخفيف والجميل «مواقف وذكريات مع كبار العلماء» الكثير من المواقف التي يحويها الكتاب، وتكشف وجها آخر وقصص ما وراء «المايك» لهذا البرنامج الذي امتد عقوداً طويلة، ورافق كبار العلماء - ومازال - فكل موقف تم رصده وذكره، هو بمثابة درس وعنوان في فن التعامل بطريقة مؤثرة في حياتنا جميعاً، وكيف يجب أن نكون ؟!.
وعلى دروب الخير نلتقي.