علي الخزيم
تتعاقب الأزمنة ولا تزال (اللقيمات) صامدة على المائدة، وتثبت دائماً أنها الحاضرة المحبوبة على رأس حلويات رمضان والأعياد والمناسبات العائلية الكبرى، وذلك على مستوى الوطن العربي والإسلامي خصوصاً، ويبدو لي أن من أسرار بقائها بهذا الشموخ والقبول سهولة الحصول على مكوناتها بين كل الطبقات الاجتماعية ثم (الاعتقاد) بسهولة تحضيرها، ومما قرأت بالمدونات والمنتديات عن عادات الشعوب بصنع اللقيمات أرى أنها ليست بالأمر السهل، ومما يثبت ويؤيد هذا التوجُّه هو ما تشاهده على سفرة الإفطار أو العشاء في رمضان عند بعض أصحابك ومعارفك، لا سيما المتزوج حديثاً، ستجد أن طبقاً يَحْوِى شيئاً لا يمكن تخيله تماماً؛ فتارة تحسبه كائن فضائي، وتارة أخرى تميل إلى أنه حيوان بحري صغير من القشريات، وتستمر بالتخيُّل والتحليل وصاحب المنزل يحدثك بينما أنت سارح بخيالك تبحث عن حل للوصول لمعرفة هذا الكائن الذي يقبع بالطبق المريب أمامك! ويلفت انتباهك أنه يقول: هلَّا تذوقت اللقيمات؛ إنها طيبة، فتجول ببصرك بحثاً عنها، وينقذك من الموقف إشارته إليها، فتجحظ عيناك تعجباً وهولاً مما ترى، ولعل هذا ما جعل إحدى المؤسسات التجارية تعلن مؤخراً عن تنظيم دورة تدريبية للعاملات لصنع وإعداد اللقيمات.
بعض الفتيات المتزوجات حديثاً تظن أنها تتقن الطبخ بمجرد قراءة مجلة أو مشاهدة برامج الطبخ (الهلاس بالملاس)، فأغلبها برامج تبحث عن مداخيل مادية لكنها أبعد ما تكون عن فنون الطبخ، ولا يغرنَّكم لمعان الأواني وزخرفة الديكور، كنت عند صديق ذات ليلة وقال هل لك أن تتعشى معي؟ قلت: إني لا أفضل الأكل بعد هذه الساعة، فاقترح أن نتناول شيئاً من الزبادي والبيض المسلوق، فحضرت المائدة وأراد أن يكرمني بفتح البيضة وتقديمها لي، فساح منها (المح والمخ) كما يقال، إذ أنها لم تُطبخ ولم تُسلق، فهي من الناجين من النار، وذلك ربما بفضل بائضتها الدجاجة الصالحة، اعتذر لي مشيراً إلى أن ابنته التي تدرس بالأول متوسط هي من أعدت الطعام بدلاً عن أمها المُتْعبة، قلت: رحم الله الجدات كن بعمر الأطفال ويعملن عمل الكبار الآن وأفضل، وذلك يعود ليقين الأمهات آنذاك بأن الفتاة لا تخرج لبيت الزوجية إن لم تتقن عملها المنزلي والتربوي.
أعود إلى اللقيمات، فرغم أني لا أفضلها، وسبق أن عرَّفتها بأنها: (خير ما تُقدمه الرفلاء على مائدة الإفطار)، إلاّ أن ذلك لا يمنع أن كثيراً من البشر لا يتفقون معي ويحبونها، وتختلف تسميتها من بلد لآخر فمن أسمائها: لقيمات القاضي، والزَّلابِيَة، والعوَّامة وغيرها، واختلف بنو الإنسان أيهم سبق إلى ابتكارها، فالعرب من خليج وغيرهم يقولون إنها لهم، بينما يقول اليونان إنهم أصحابها ويذودون عن زعمهم، ويقول الأتراك إن لهم الفضل بابتكار (الشيرة) السُّكر المذاب عليها، فإن كنت من محبي اللقيمات فإني أنصحك بتذوق اللقيمات السودانية فهي طيبة شكلاً ومضموناً، أما المغربية فتجذبك بمظهرها، وإن أردت النصيحة الأفضل فاجتنبها لأنها ستقودك للمستشفى للعلاج من ارتفاع سكر الدم ومضاعفات الكوليسترول.