ناصر الصِرامي
عمق الأزمة القطرية للقيادة الحالية بالدوحة ليس بالبساطة التي نتوقعها، والأهم أنها ليست من صنع الإعلام الخليجي الخالص أبدًا، وتحديدًا الإعلام السعودي.
القصة قبل ذلك بكثير، بل قبل سنوات، بل نحو عقدين من الزمان تقريبًا..!
القفزة المميتة، والمستحيلة في الوقت ذاته، بأجنحة من جنون العظمة وقلة الخبرة، ووهم مسموم للقيادة القطرية حينها، بدأت بحلم ساذج، تحول إلى كابوس مذموم، فقد تخيل أمير الدوحة، وأبقى الفكرة متخمرة في ذهن سياسي متواضع لسنوات، ومع كل عام كانت خميرة الفكرة تزيد النشوة لما هو متخيل.
الدوحة الجميلة الهادئة الصغيرة قررت أن تحكم العالم العربي والإسلامي، وأن تقود المنطقة العربية، بل العالم الإسلامي؟!
لكن لديها مشكلة حقيقية، تتعلق بالمساحة الجغرافية، فما كان منها إلا أن تقتنص الفرصة لإيقاف بث شبكة بي بي سي العربية في ذلك الوقت، وتحولها لقناة أسمتها (الجزيرة)، الجزيرة العربية طبعًا هي المقصد، إن لم تكن فكرت في ذلك من قبل!
قناة تغطت بلحاف المهنية، وضربت في كل الاتجاهات. لا شك رفعت سقف الإعلام العربي، لكن لم تكن المهنية هدفًا أبدًا، وهذا ما ظهر لاحقًا بكل وضوح.. بشكل مسيء ومخجل، لا يخلو أبدًا من «خبث» التوظيف.
مع هذه القناة التي اعتقدت قطر أنها ستحل عقدة الجغرافيا تبنت مشروع التنظيم العالمي للإخوان، وأصبحت قِبلتهم، وإضافة لذلك شركاء من خارج المنطقة، ومن خارج هويتها وقوميتها؛ حتى تتمكن من تحقيق حلمها؛ فاختارت تركيا وإيران كشريكين لمواجهة مَن..؟!
لمواجهة المملكة العربية السعودية، ونزع قيادة العالم العربي والإسلامي منها، وتمكين الإخوان، والسيطرة على الخليج. الضربة الأولى كانت لمصر، وكلنا نتذكر جيدًا علاقة مصر في زمن الإخوان بإيران، ودخول أحمدي نجاد (الرئيس الإيراني حينها) المهين للأزهر وسط صرخات أنصارهم وكل «المستوطنات» الإعلامية والكتائب الإلكترونية التي تعمل في السر والعلن لتحقيق الفوضى ودعم انتشار الإرهاب وتمويله.
بالمناسبة، في عام 2004 أعلنت قطر إنشاء الهيئة العالمية لعلماء المسلمين برئاسة القرضاوي لتهميش دور السعودية في رابطة العالم الإسلامي والمؤتمر الإسلامي الذي أُنشئ قبل الاعتراف بقطر.
طوال تلك الفترة وحتى اليوم لم تبقَ دولة عربية إلا واصطدمت مع قطر، أو مرت بأزمة مع سياساتها، أو تضررت من أجندتها الخارجية.
مشكلة قطر مع دول الخليج والسعودية، بل عدد من الدول ذات الثقل العربية والعالمية اليوم، هي سياساتها الخارجية، التي ترتبط بدعم وموالاة تنظيمات حزبية مشبوهة، لها امتداداتها في المنطقة، فضلاً عن العمل بطريقة معاكسة لما تبقى من الأمن القومي العربي، والتوجه لإيران بالمجمل.
مشكلة قطر أنها تورطت مع تنظيمات، لا يمكن أن يكون الدخول إليها مثل الخروج منها، وخصوصًا إذا كانت هذه التنظيمات ولسنوات طويلة تغلغلت في مفاصل الدولة والقرار، وربما الأمن. وهي أحزاب لم تنجح إلا في أساليب تنظيمها الدقيق.
تجعلها - أي قطر - قد تقدم معلومات سياسية واقتصادية مهمة لمجلس التعاون الخليجي لإيران وتركيا، وهذا ما حدث في مؤتمر الرياض، الذي استعادت السعودية فيه أمام العالم كل نفوذها، مع خسارة الدوحة الاقتصادية والسياسية لكل ما فعلته من جهد وأنفقته من ثروة هائلة لنحو عقدين.
المشكلة القطرية ليست إعلامية، وليست طارئة، بل هي أزمة جرد حساب حقيقية وحازمة، لا مجال فيها للتساهل أو التردد أو المقامرة. كل شيء مختلف هذه المرة، ولن يكون الأمر مجرد كلام جميل ووعود لا تنفذ وقبول إنكار.
انتهى على ما يبدو في السياسة الخليجية المشتركة التقليدية والتعميم. كل شيء هذه المرة يجب أن يكون حازمًا وصريحًا وموثقًا، وبجدول زمني معلوم.
لا مجال للازدواجية في الأمن والاستقرار الإقليمي لمنطقتنا، وفي هذا تحديدًا، وبكل التفاصيل، هل الدوحة معنا أم ضدنا؟!.. هذا هو السؤال المباشر من الناس قبل السياسيين.. في بحث الأزمة القطرية.