محمد سليمان العنقري
طرح سؤال في برنامج فتاوى الذي تعرضه القناة الأولى السعودية حول شرعية المنتجات التمويلية السكنية التي اعتمدتها وزارة الإسكان على فضيلة عضو هيئة كبار العلماء المستشار في الديوان الملكي الشيخ الدكتور عبدالله المطلق حيث أكَّد «أن برامج ومشروعات وزارة الإسكان المعمول بها حاليًا وما تمخض عنها من منتجات درست وأجيزت من لجان شرعية، ومن الهيئات الشرعية في البنوك المحلية، وأمرها واضح تمامًا، ويجب شرح ذلك للناس ليستفيدوا منها».
ومع التقدير والشكر لفضيلته على توضيح جانب مهم من استفسارات الكثير ممن صدرت لهم موافقات تمويل من وزارة الإسكان أو الصندوق العقاري حول شرعية المنتجات التي تمثل الحصة الأكبر من نسبة التأثير على قرار المستفيدين وفق هذه البرامج لأن فيما أكَّده يمثل رأيًا واضحًا يمنع أي آراء مبنية على اجتهاد من هم أقل علمًا إضافة إلى تأكيده بأن كل المنتجات تعتمد من هيئات شرعية لدى البنوك معروفة بعلمها وتخصصها بالمنتجات المالية ليحسم بذلك أي جدل حول شرعيتها نظرًا لمكانته العلمية الكبيرة.
لكن ما تفضل به فضيلته يمثل جانبًا مهمًا من الرأي بالمنتجات التمويلية، إلا أن جل النقد لهذه المنتجات كان من متخصصين اقتصاديين حول جدواها الاقتصادية وأثرها على المستفيد النهائي فسابقًا كان قرض الصندوق العقاري عند 500 ألف ريال يصرف مباشرة من الصندوق ويعطى المستفيد إعفاء من السداد لمدة عامين ويعيد المبلغ بإعفاء 20 في المائة عند التزامه بالدفعات وأيضًا من دون أي تكاليف على القرض ومدة السداد 25 عامًا ولا ينظر الصندوق لأي متقدم إلا من خلال أنه مواطن مستحق أي لا شروط بالعمر ولا الدخل ولا أي شرط يعيق حصوله على القرض سوى أن يكون قد استفاد من قرض سابق كأحد أهم الشروط مع وجود أرض سابقًا قبل السماح بالتقديم على الصندوق دون شرط الأرض أي أن جميع الاشتراطات السابقة محدودة وتيسر للجميع الاستفادة من هذا الدعم الحكومي المهم لتملك السكن.
لكن ما تمخضت عنه منتجات وزارة الإسكان والصندوق العقاري غيّر كثيرًا من الشروط فأصبح لدخل المتقدم تأثير بحجم القرض الذي يأخذه إِذ لم يعد الحصول على الحد الأعلى عند 500 ألف ريال مضمونًا وكذلك عمر المتقدم عند صدور الموافقة وتحويله للبنك التجاري ليأخذ القرض يلعب دورًا بحجم القرض فقد ينخفض عن الحد الأعلى لأن البنوك تحدد عمر 60 عامًا كحد أعلى لآخر قسط بالقرض الممنوح وإن كانت وزارة الإسكان تبذل جهدًا لرفع السن بضمانات منها ولكن يبقى حجم مبلغ القرض متغير وليس ثابتًا وهو ما قلل من استفادة الكثيرين منه مع ارتفاع الأسعار.
أما الجانب الآخر من المشكلة فهي العروض بالسوق سواء لقطع الأراضي أو الوحدات السكنية بمختلف أنواعها فهي بأسعار تفوق قدرة 75 في المائة من طالبي السكن بمختلف برامج الوزارة أو الصندوق وهذه النسبة صرح بها معالي وزير الإسكان قبل أيام، مما يعني أن القروض لن تكون كافية لشراء أي منتج سكني بالسوق لأنها بأسعار غالية تفوق قدرة الكثيرين ولذلك فإن جدوى حجم القروض عند حدها الأعلى ليس كافيًا وبالتالي فإن الشروط الحالية التي تقلل من حجم القرض بسبب الدخل أو العمر تلعب دورًا سلبيًا ضاغطًا على المستفيد ففي حال طلب قرضًا إضافيًا فسيتم احتسابه بنكلفة عالية وسيستنزف جل دخله وقد يوقعه بالتعثر عن السداد بفترة قصيرة مما يفاقم من حجم المشكلات المالية بالاقتصاد فيما لو توسع الإقراض بهذه الطرق، يضاف لذلك أن كل من زاد دخله عن 14 ألف ريال سيدفع نسبة من تكاليف القرض للبنك التجاري ويتحمل الصندوق النسبة المتبقية لكنها تتغير وفق دخله وعدد أفراد أسرته أي أنها تعد ضغوطًا إضافية على دخل المستفيد وقدرته على تلبية متطلبات المعيشة لسنوات طويلة.
كما أن الاشكالية الأخرى تتمثل بعدم جدوى المنتجات التمويلية لشريحة واسعة بسبب عدم ضخ منتجات سكنية متنوعة وبأسعار تناسب كافة الشرائح الطالبة لدعم تملك السكن من الوزارة والصندوق وهو ما يتطلب بالضرورة أن تعمل الوزارة على الإسراع بزيادة هذه المنتجات وربطها بالبرامج التمويلية بصورة تحفيزية مناسبة لضبط السوق وتوجيهه نحو طرح المنتجات المناسبة سعرًا وحجمًا وجودة وإلا ستبقى المنتجات التمويلية دون فاعلية والإقبال عليها ضعيف لأنها لا تلبي حاجة الكثيرين بسبب ارتفاع أسعار المنتجات المطروحة في السوق.
مما لا شك فيه أن رأي الشرع بالمنتجات المطروحة يعد الأساس لقبولها لدى الشريحة الواسعة من طالبي السكن وهو ما فعلته وزارة الإسكان والبنوك التجارية بطرح منتجات مجازة شرعًا كما أكَّد فضيلة الشيخ الدكتور عبدالله المطلق، إلا أن المنفعة الاقتصادية وتأثير تلك البرامج على المستفيد الذي سيرهن دخله لسنوات طويلة لن تقل عن عشرة وتصل لأكثر من عشرين عامًا لا بد أن تكون حساباته متناسبة مع مستقبله بحيث لا تتأثر بقية التزاماته المعيشية أو يتحول لمتعثر ويتوسع أثر المشكلة إلى النظام المالي مما ينتج مشكلات إضافية بدلاً من حلول تدعم الاقتصاد ونموه وترفع من حجم القطاع العقاري بالناتج المحلي وتسهم بتعزيز ثروات الأسر والأفراد وتوظف مدخراتهم واحتياجاتهم التمويلية بنفع اقتصادي عام وخاص.