إننا مأمورون بالتفكر في الآفاق وفي أنفسنا كما هو نص كتاب ربنا المقدس حيث قال سبحانه في سورة فصِّلت: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ} وكل ذلك لتزداد تجربتنا الحياتية التي نعيشها جمالا وثراء ولنكتسب أبعادا واعية ترفع من مستوى التفاعل الخلّاق الأمر الذي يصب بشكل جليّ في عمارة الأرض قال شيخ الإسلام في مجموع فتاواه (4-56): (والله قد أمر بالنظر والاعتبار والتفكر والتدبر في غير آية, ولا يعرف عن أحد من سلف الأمة ولا أئمة السنة وعلمائها أنه أنكر ذلك بل كلهم متفقون على الأمر بما جاءت به الشريعة من النظر والتفكر والاعتبار والتدبر وغير ذلك) وسنقوم بسياحة مليئة أيها القراء الكرام بالشهود/ الاستيقاظ من خلال ثنايا موضوعنا الذي نتطرق له وهو الوعي بالسريان. ولعنا ابتداء نستكشف هذا السريان المقصود؛ من خلال جسم الإنسان إذ الأصل في داخل أجسامنا أنها مليئة بالمعامل التي لا تهدئ ولا تتوقف وأعمالها لا تنقطع وركيزتها الأساسية السريان اللهم إلا إذا تعثرت فتكومت فتسددت من خلال فقدانها لتلك الحالة الطبيعية/ السريان. ولنأخذ على سبيل المثال الجهاز الدوري الدموي فهو يسري ما بين شرايين وأوردة كقنوات كبيرة وما بين قنوات أصغر كالشعيرات الدموية ومما يقال في ذلك أنه يمكننا صناعة ما طوله 2500 كيلو متر من تلك الشرايين والشعيرات لو وضعناها بخط مستقيم فسبحان الخلّاق العليم. ثم إن المتحكم بكل هذا السريان الدؤوب والذي لا نكاد نشعر به هو القلب الذي إن صلح صلح الجسد كله وإن فسد فسد الجسد أيضا كله والذي يدفع كل يوم ما يقارب من 10.000 لتر من الدم في أنحاء أجسامنا وكل ذلك شرْطُهُ الوحيد السريان فما هو عمق هذا السريان!؟ إن عمقه هو الجريان بانسيابية وهدوء كما جداول الأنهار الصغيرة تجري وتسري بلا صراخ ولا ضجيج وهو مرادنا في هذا المقال ويمكن أن نوضحه أكثر فنقول هو المضي والذهاب إلى نهاية ما تريد من نواياك وأفكارك ومشاعرك وقناعاتك وقيمك شريطة استصحاب الهدوء والبعد عن الضجيج والتزام السكينة والبعد عن المقاومة وهذا على مستوى الأنفس. وأما السريان على مستوى الآفاق فلدينا قوله تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ} فهو يسري/ يمضي بلا ضجيج حتى يبلغ ما يريد وهو الفجر لليوم الجديد في دورة تعاقبية لا نسمع فيها أي جلبة وإزعاج. والسؤال المطروح الآن؛ يا ترى كيف هو الشأن في أحوالك وأوضاعك؟ أي هل أنت ممن يسري ليلغ نواياه وإراداته بمثل هذه السريان؟ أم أنك تقطِّع حياتك بشكل تُرِّكب العقدة فوق العقدة وتكوِّم الأشياء والأفكار والمشاعر والرغبات عليك طبق عن طبق مما يسد عليك الطريق ويحجب عنك الرؤية السليمة. فإن حدث ذلك فاعلم أن مردُهُ إلى عدم التوازن في حياتك من خلال تلك الانحصارات/ التكومات التي تحدثها في طريقها! نعم ينبغي عليك أن تتنبه إلى أنك أنت من تحدث كل ذلك وليس مديرك/ مديرتك وليس زوجك/ زوجتك وليس أمك أو أباك وهذا ما يقرره المنهج القرآني من خلال التأكيد على أننا نحن من نستجلب الظلم لأنفسنا ونرسمه في خط حياتنا قال تعالى: {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} وإن كان غالب الناس -وربما أنت واحد منهم- يُسقط على الآخرين تلك الانحصارات/ التكومات من إخفاقات وتحديات أنت كما أسلفت سببها, فإن كان الواحد منا متزوجا رمى بكل التكومات التي تحصل بينه وبين زوجته على هذه الزوجة المغلوبة على أمرها وإن كان موظفا رمى بكل تقصير يحدثه على مديره الشرير والشرس وإن كان طالبا فأستاذه هو سبب انخفاض مستواه الدراسي وقس على كل ذلك ما سوى ذلك. فما هو الحل يا ترى لتحويل تلك الانحصارات/ التكومات إلى سريان دائم؟ يقول في ذلك المفكر الروسي فاديم زيلاند: يتم ذلك من خلال خوارزمية التحرر الذاتي وذلك لفك العقد/ الانحصارات والتكومات والتي أول شرطها هو أن تستيقط وتبحث عن أي مبالغة في أهمية أمر من الأمور إذ أن مثل تلك المبالغات الكبيرة من شأنها إحداث مثل تلك العقد/الانحصارات فإذا ما استيقظت تكون قد خرجت من تلك اللعبة/ العقد والتكوم ولتتم خوارزمية التحرر عليك بثلاثة أمور: الأول: أن تدرك أنك أحدثت انحصارا وتكوما/ عقدة في شأن من شؤونك ولا تسقط على الآخرين, والثاني: أن تكون مستيقظا وواعيا أن لديك ذلك الانحصار/التكوم وتعترف به ولا تسقطه على الآخرين والثالث: أن تَفْعل السريان أي أن تتجه إلى حل تلك العقدة باختيار منك ووعي. ودمتم بسريان دائم إلى حيث الوعي الدائم وجُنبنا التكومات والانحصارات والعقد والتعقيدات لأنفسنا ولمن حولنا.