لبنى الخميس
عملت لمدة عام من حياتي في مكتب السعادة، قرأت خلاله مئات المقالات، ومررت على عشرات الدراسات، وتابعت العديد من الفيديوهات، وعاهدت نفسي بأن يكون ما اقرأه علم نافع.. بمعنى أن أحاول فهمه وتطبيقه ما استطعت لذلك سبيلاً .. وأشارك الناس ما يستحق المشاركة.
إحدى أكثر المواضيع التي شدتني كان علاقة سعادتنا بتوقعاتنا.. وتبعات الفجوة بين الواقع والتوقع، وما تخلفه من تعاسة وخبية وخذلان مستمر. الباحث في جامعة أكسفورد نات وير تحدث عن موضوع التوقعات بشكل موسع وقسمها إلى ثلاثة أقسام: توقعات قائمة على الخيال، الأشخاص من حولنا، والماضي.
- الخيال
حين نختار وجهة إجازاتنا القادمة، أو موقع عشائنا الليلة، أو قرار ارتباطنا بشخص ما، نحن نختار الأفضل بناء على اعتقادنا وتخيلنا أنه سيسعدنا. هذا الخيال لا يبنى عبثاً أو يمتلئ من فراغ .. بل من صور شاهدناها لبلد جميل، أو توصيات سمعناها عن مطعم جديد، أو نتائج لمسناها في حياة الناس.. هذي الصور والمشاهدات غالباً غير صادقة لأنها متأثرة بعدة عوامل منها السوشل ميديا المثقلة بخاصية الفوتوشوب لصور بالغة الجمال والكمال، والتي لا يمكن أن ترقى لمستوى توقعاتنا فنصاب مباشرة بالإحباط .. ونكتشف بأن أجمل التجارب واللحظات هي التي أتت خالية من وهم التوقعات.
- الآخرون حولنا
هذا التوقع قائم على مقارنة حياتك مع من حولك. وهذا ما أكده مقال رائع قرأته للكاتب فهد الأ حمدي بعنوان «بمن تقارن نفسك؟» حين قال: طبيعتنا البشرية تجعلنا لا نقارن أنفسنا بمن لا نعرفهم شخصياً كأثرياء مجلة فوربس مثلاً، بل بأصدقائنا وأبناء عمومتنا الذين حققوا نجاحاً مميزاً أو ثروة كبيرة.. لا يهمك إن نال مراهق فرنسي درجة الدكتوراه من جامعة السوربون، أو تحدث طفل صيني عشر لغات، المهم أن لا يفعل ذلك قريبك الذي تربيت معه أو صديقك الذي تشيد به والدتك.
- الماضي
نحن أقل سعادة كلما كان ماضينا أجمل من حاضرنا ومستقبلنا، حين نضع تجارب الماضي كمرجع وأحساسيه كسقف لا نتنازل عنه، في الماضي كنت أنحف .. الربع الماضي كانت مبيعاتي أعلى .. السنة الفائتة زوجي كان يحبني أكثر وغيرها من المقارنات المتبوعة بالتوقعات بأن السعادة يجب أن تستمر وتحتفظ بخاصية الاستمراية بل والخلود.
ما هو الحل؟
- لا تتوقع من الحياة.. اكتشفها
كثير منا غير قادرين على الاستمتاع بلحظاتهم لأنها مثقلة بالتوقعات.. لحياتهم بعد الجامعة أو بعد الزواج أو بعد الحمل.. لدرجة تلغي الحاضر تماماً، السؤال: لماذا نؤجل أحلامنا.. و نؤخر تجاربنا لقائمة مواعيد مستقبلية دون ضمان أو ربع ضمان على تحققها بذات الجمال وروعة الصورة في مخيلتنا.
- تجنب فخ.. كل شيء.. أو لا شيء!
بعضنا يرفض الإقدام على تجربة معينة لأنها لا تحتوي على كل ما يتوقعه عنها، فيقع مراراً وتكراراً في فخ كل شيء أو لا شيء، فتمضي الكثير من الفرص وتضيع العديد من اللحظات وهو واقف مكانه بانتظار اللحظة المناسبة لافتتاح مشروع أو إكمال دراسة أو التخلص من عادة معينة. اسألوا شخص حدته الظروف أن يتنازل عن خيار معين ويجرب خياراً آخر عن حجم الدروس والتجارب الثرية التي صقلت شخصيته ومهارة التقبل والمرونة عنده.
- اسأل نفسك عن مصدر التوقعات؟
كثير من توقعاتنا قائمة على ماذا يتمناه الآخرون منا وليس ما نتمناه لأنفسنا، أسأل نفسك هل مساعيك وطموحاتك هي نتاج رغباتك الشخصية؟ أو توقعات الوالدين والمدرسة والمجتمع؟ وبعد أن تجد الإجابة، تأكد بأن إشباع توقعات الآخرين سباق مضني لا ينتهي إلى بالمزيد من الخيبة، وأنك بشر لك الحق بأن تخطأ وتتعثر.. تنهض وتنجح.. وما يتوقعه الآخرون عنك لا يخصك أنت بل يخصهم هم.