د. علي بن صالح الخبتي
في الوقت الذي يجب أن تقود فيه الولايات المتحدة الأمريكية العالم في كل ما يكرس الأمن والسلام والصحة والعلم أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هذا الأسبوع خروج الولايات المتحدة الأمريكية من اتفاقية «التغير المناخي» التي التزم بها سلفه الرئيس باراك أوباما في مؤتمر التغير المناخي الذي عقد في باريس في الفترة 30 سبتمبر إلى 11 ديسمبر 2015.. وخروج أمريكا كقائدة في عالم اليوم يعد كارثة بكل ما تحمله الكلمة من معنى.. صحيح أن الرئيس قال إننا خرجنا لنقيّم كيفية مشاركتنا في هذه الاتفاقية لكن أمر التغير المناخي لا يحتمل لأن الأمر مفجع، إذ تقول التقارير إن التغير المناخي سيؤدي إلى قتل 100 مليون نسمة خلال العشرين عاما القادمة، معظمهم من العالم الثالث «من محاضرة لـ نوم تشومسكي». .. وخروج الولايات المتحدة الأمريكية من هذه الاتفاقية غير منطقي لأن التقارير تقول إن أول المتسببين في هذه المشكلة، مشكلة التغير المناخي هما: الولايات المتحدة والصين، ويقول جوزيف ويستفول «ديسمبر 2015»: «المشكلة تتمثل ابتداء في ارتفاع مستوى مياه البحر عبر الكرة الأرضية، وذوبان الغطاء الجليدي في جزيرة جرينلاند، ووصولاً إلى تبييض الشعاب المرجانية المحاذية لكثير من السواحل، وهي باتت إشارات تغيّر المناخ تحيط بنا من كل حدب وصوب وهذا سيكون له مردودات سلبية على تحديد شكل المناخ الذي سيولد فيه أطفالنا وأحفادنا».
وفور إعلان الرئيس ترامب الخروج من هذه الاتفاقية خرج الرئيس السابق أوباما من صمته ببيان قال فيه إنه واثق من أن الولايات والمدن الأمريكية سيستشعرون دورهم في القضية حتى دون قيادة.. في مؤتمر باريس، الذي أعلنت أمريكا الخروج منه اجتمع ممثلون من حوالي 200 دولة، وذلك للتفاوض حول اتفاقية شاملة بشأن المناخ لعالم ما بعد 2020، حيث هناك الآن إرادة اجتماعية وسياسية أكثر من أي وقت مضى، لعمل شيء مختلف وجاد لعلاج مشكلة ارتفاع درجات الحرارة في العالم، وتأثيرها المضاعف على البيئة.
وأعلنت أكثر من 160 دولة، مسؤولة عن نحو 90 % من الانبعاثات المتسببة في المشكلة، عن أهدافها بشأن المناخ قبيل عقد المؤتمر، إذ تعد هذه خطوة واضحة إلى الأمام، إذا لم يكن هذا الكلام للاستهلاك السياسي، كما هو الأمر من قبل، إذ لم تلتزم الدول المسؤولة عن هذه المشكلة بما وعدت به خلال اجتماعات ممثليها في مؤتمرات وحوارات سابقة، ورفضت أخرى توصيات المؤتمرات السابقة، ولم يتم في السابق معالجة أكثر من 30 % فقط من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، بموجب بروتوكول كيوتو 1997. أثناء انعقاد مؤتمر باريس قالت الولايات المتحدة على لسان سفيرها في المملكة آنذاك (في مقال كتبه في إحدى الصحف السعودية)، إنها ستتخذ إجراءات جريئة بشأن تغيّر المناخ، وستعمل مع الدول الشريكة كي تحذو حذوها، وأنها اتخذت عدداً من الإجراءات في هذا الشأن.
وكي يقضي العالم على مشكلة التغير المناخي الناتج من ثقب الأوزون، لا بد أن ينتقل إلى استخدام الطاقة النظيفة التي تحد من انبعاثات الكربون، بجانب ما لهذه الطاقة من فوائد اقتصادية تتمثل في خفض قيمة الطاقة المستخدمة، وتوفير عشرات المليارات نتيجة هذه الخطوة.
وتقول التقارير أيضاً، إن الصين والهند والبرازيل تعمل الآن على تخفيض الانبعاثات، وهذا ولا شك يوفر أرضية ممتازة لنجاح مؤتمر التغير المناخي في باريس.
لكن المشكلة تتمثل في التزام دول مثل الولايات المتحدة والصين بما تتعهد به.. ونرى الآن أن ما تعهد به الرئيس باراك أوباما اثناء المؤتمر نقضه خلفه الرئيس ترامب بالخروج من هذه الاتفاقية الهامة جداً المتعلقة بالتغير المناخي الذي يذهب أكثر ضحايا من الضعفاء والمساكين الذين لا حول لهم ولا قوة والذين ينتظرون العون والدعم من دول تأتي الولايات المتحدة الأمريكية في مقدمتها. وأن تكشف لنا تقارير حقيقية هذا الالتزام لتفادي كوارث التغير المناخي التي ستتسبب في قتل مئات الملايين من البشر. يجب أن تكشف لنا التقارير شفافية ومساءلة على مستوى دولي، لتتبع كل من يخالف ما التزم به للأهمية القصوى التي تشكلها هذه القضية.
الاحتباس الحراري مشكلة عالمية كبيرة جداً، درسها العالم وعرفها وتأكد من أسبابها، لكن بقيت بل وتفاقمت، وهذا من السخرية المتناهية، والحقائق المؤرقة المتعلقة بهذه المشكلة هي:
أولاً: أنها من صنع الإنسان، تحديدا في الدول الصناعية بسبب الانبعاثات السامة.
ثانياً: سينتج عنها وفاة 100 مليون نسمة خلال الـ20 عاما القادمة وفق الدراسات العلمية المتعلقة بالاحتباس الحراري. وفي يوم الجمعة 27 سبتمبر 2013 اجتمعت لجنة من علماء المناخ على مستوى العالم وأكدت بقوة أن «من المرجح للغاية أن التأثير البشري كان السبب المهيمن على ظاهرة الاحتباس الحراري منذ 1950، والمأمول من الدول المتقدمة أن تستجيب لتوصيات المؤتمرات في هذا الشأن، فمؤتمر باريس هذا الشهر الذي تعقده الأمم المتحدة هو المؤتمر الثالث بعد مؤتمر نيويورك في 23 سبتمبر 2014، ومؤتمر بون الألمانية في 15 يوليو 2001، اللذين جمعا أكثر من 180 دولة من دول العالم في كلٍ منها. وإعلان ترامب الأخير انعكاس لدور أمريكا في المؤتمر الأول الذي رفض فيه الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن أن تنفذ بلاده اتفاقية ذلك المؤتمر، بحجة أنها تضر بالاقتصاد الأميركي، ويعترض بشكل خاص على الخطة التي تتضمنها المعاهدة لتخفيض انبعاث الغازات الملوثة للجو بنسبة 5 % أقل من معدلات عام 1990 على مدى السنوات العشر المقبلة، كما يصر على إشراك الدول النامية في الاتفاقية.
وفي مؤتمر نيويورك طالب الأمين العام زعماء العالم باتخاذ خطوات جريئة لإنجاح القمة، ووضع ضوابط لخفض الانبعاثات السامة، والعمل على تعزيز جهود التكيّف مع تغير المناخ، وتعبئة الإرادة السياسية لاتفاق قانوني نهاية 2015 في مؤتمر باريس الذي سيرسم خطة المفاوضات التي ستشهدها الأشهر الستة عشرة المقبلة، بهدف التوصل إلى إطار قانوني واتفاقات جديدة تلتزم بها جميع الدول. في مؤتمر باريس رسمت الدول المشاركة الخطة لكيفية التخلص من الانبعاث الحراري واستبشر العالم الخير بتنفيذ ما أوصت به وما خططت لإقراره في هذا المؤتمر لكن إعلان أمريكا الأخير نكسة لكل ما اتفق عليه في ذلك المؤتمر..
مؤتمر باريس شكّل فرصة تاريخية اجتمع فيها قادة العالم ووصل فيها العالم إلى اتفاقية بشأن المناخ كنا نتوقع أنها بعيدة المدى ودائمة، إذ توافرت لديهم وقتئذٍ الإرادة السياسية والدعم الاجتماعي اللازم لإنجاحها، وكانت هناك وقفة جماعية للحد من هذه المشكلة التي تهدد الإنسانية ونرى اليوم أن أمريكا تنسف كل ذلك بخروجها من هذه الاتفاقية التي تنقذ مئات الملايين من البشر جراء الاحتباس الحراري على الكرة الأرضية.. هل تعود الويات المتحدة الأمريكية إلى رشدها المعهود وتلغي قرار خروجها من اتفاقية التغير المناخي الذي يهدد سلامة مئات الملايين.. كل العالم يأمل ذلك.