عمر إبراهيم الرشيد
تبذل وزارة العدل جهودا ملموسة لتطوير القطاع العدلي بجميع أقسامه، ونعلم أنها وبالتوازي مع وزارة الداخلية تشكلان ميزان الأمن والاستقرار الاجتماعي لدينا ولكل بلد في العالم . لا أعلم حقيقة ماذا تم بخصوص الأحكام البديلة، وأقصد بها الأحكام القضائية على الجنح والجرائم الصغرى والتي تلزم المحكوم بالقيام بخدمات اجتماعية ونفعية معينة للمجتمع يحددها القاضي، بدلا من الحبس في السجن، ويكون في تلك الأحكام اعادة تأهيل للمحكوم ونفع للمجتمع على السواء. أذكر أن المجتمع ووسائل الإعلام والتواصل الافتراضي ومعها الدوائر العدلية والقضائية ناقشوا وأخذوا وردوا في هذه القضية، التي لم يعد لها حضور في النقاشات الدائرة على اختلاف ألوانها اجتماعيا ورسميا.
بحلول نهاية صيف هذا العام تكون هولندا قد أغلقت خمسة سجون، إضافة إلى تسعة عشر سجنا أغلقت عام 2013م فيكون المجموع أربعة وعشرين سجنا أغلقها هذا البلد الأوروبي البالغ تعداد سكانه 17 مليون نسمة. ليس هذا فحسب، بل إن هولندا جلبت مئتين وأربعين سجينا من النرويج لكي يشغلوا أحد سجونها الفارغة، لكن هذا لم يحل دون إغلاق كثير من سجونها تجنبا للتكاليف المادية المرتفعة لإبقاء سجون بلا مساجين. هولندا تركز في قوانينها على التأهيل المهني والاجتماعي واعتماد الأحكام البديلة وطريقة السوار الإلكتروني لتعقب ومراقبة السجين في بيته وحيه كي لايتجاوزه، ومعلوم أن لهولندا قوانينها الخاصة فيما يتعلق بتعاطي المخدرات وهي أخف بكثير من قوانين دول عديدة في العالم، وهي تركز كما قلت على إعادة التأهيل والعلاج بدل العقوبات . العقوبات البديلة والسوار الإلكتروني حد من العودة إلى السلوك الإجرامي بنسبة النصف مقارنة بالسجن التقليدي، علما بأن معدل الجريمة هناك في هبوط مستمر منذ 2004م وهذا ما أدى إلى إغلاق هذا العدد من السجون.
هنا ولكي لايكون الحديث عاطفيا، فلابد من التنبيه إلى أن الأحكام البديلة لاتعني تبديل الحدود الشرعية أو التخفيف منها، وإنما في تلك الجنح والجرائم الصغرى التي يلجأ عادة فيها القاضي إلى الحكم على مرتكبها بالسجن مددا متباينة حسب الجرم . أما تعامل الجهاز الأمني الهولندي مع تعاطي بعض المخدرات فذلك خاضع لطبيعة المجتمع هناك وثقافته، ولايعني نجاح التجربة هناك، إن نجحت، أنها ستنجح في دول أخرى، إنما انخفاض معدل الجريمة هناك يدل على نجاح يمكن أن تستلهم منه الدول كل حسب حاجتها ومايلائمها . وفي رأيي أن وزارة الداخلية في المملكة أحدثت تغييرا جذريا في السجون والإصلاحيات، وأدخلت برامج اجتماعية وتأهيلية وتدريبية، وأتاحت للنزلاء والنزيلات إكمال دراساتهم العليا داخل الإصلاحيات، ومعها أعادت تأهيل المباني وأنشأت مباني جديدة للإصلاحيات بمواصفات دولية. وما أذكره بهذا الخصوص مشهود وتم فتح الإصلاحيات والسجون لوسائل الإعلام المحلية والدولية، وتم عرضه في عدة قنوات، وليس مدحا أو ردحا من عندي إنما الموضوعية والإنصاف تملي علي ما قلت. ولا يستطيع بشر أن يدعي الوصول إلى الكمال أو عدم الحاجة إلى التطوير والاستفادة من تجارب الآخرين (الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهي له)، يستوي في ذلك الرئيس والمرؤوس. لذا وبالنظر إلى عمليات التطوير في الأداء المستمرة في وزارتي الداخلية والعدل على السواء فلعلنا نفاجأ قريبا بصدور قرار باعتماد وتعميم الأحكام البديلة، حمى الله الوطن من كل مكروه وتقبل صيامكم.