د. أحمد الفراج
كم منزل في الأرض يألفه الفتى.. وحنينه أبدا لأول منزل»، وأول المنازل هو الوطن، هو رائحة الأرض وطعم الماء، وحب الوطن أمر فطري، مهما كان الوطن قاسيا، ولا يعرف قيمة الوطن إلا من فقده، كما لا يعرف قيمة الأمن إلا من عاش في ظل الفوضى، واسأل مواطني ليبيا وسوريا، وستجد عندهم الخبر اليقين، ولكن ليس لهذا أي معني عند أتباع الأيدولوجيات الفاشية، مثل تنظيمات الإسلام السياسي، ومن سوء حظ وطننا أنه ابتلي بهؤلاء، وتغلغلوا في مفاصله، خصوصا التعليم والمناشط الخيرية والاجتماعية، فكانت خطوتهم الأساسية هي استبدال مفهوم الوطن بمفهوم الأمة، بل والتشنيع على كل حراك له علاقة بترسيخ الانتماء للأرض، وتطور الأمر شئيا فشيئا، حتى صار الكثير من الناس يشعر بحرج عند الحديث الإيجابي عن الوطن، وصار من يشيد بإنجازات بلاده مطبلا، حتى ولو كان يقول الحقيقة، وكنا نقول خلال كل تلك السنوات العجاف أن شيئا ما يجب أن يحدث لإعادة تعريف مفهوم المواطنة قبل فوات الأوان.
جاء الإنذار الأول من خطر الإسلام السياسي مع احتلال العراق للكويت، حينما ثار أخوان المملكة دفاعا عن صدام حسين، وشجبوا مساعدة القوات الصديقة لتحرير الكويت، وكان هذا متوقعا، فالوطن بالنسبة لهم حفنة من تراب، كما تؤكد أدبياتهم، ثم مرت أحداث جسام، كان الإسلامويون خلالها نتوءات في أجساد أوطانهم، ودونكم ربيع الثورات المزعوم، فقد أعلن الحزبيون دعمهم للثورات بحماس منقطع النظير، وأدركنا لاحقا سر حماسهم، أي أن هذا الربيع كان ربيعا لتنظيم الإخوان، بدعم من اليساري باراك أوباما، ومن حسن حظنا أن هذا الربيع، الذي ولد خديجا، مات في سنته الأولى، بفضل غباء قيادات تنظيم الإخوان من جهة، وجهود بعض الزعامات العربية ، وعلى رأسها الملك الراحل، عبدالله بن عبدالعزيز، والتي أدركت اللعبة الكبرى، التي تديرها أمريكا أوباما، لتمزيق عالمنا المنكوب، فوقفت لها بالمرصاد.
هل تذكرون ما فعل الحزبيون السعوديون أثناء الربيع العربي، وهل نذكركم ببعض قصصهم المثيرة للسخرية، ومنها ذاك الذي انتقد المملكة، أي بلاده، بسبب استقبالها لوفد تجاري من روسيا، بحجة أن روسيا تدعم بشار الأسد، وهل تعلمون أن ذات الشخص، وبعد أيام فقط،
دافع عن رئيس مصر حينها، محمد مرسي، حينما زار روسيا!، والسبب هو أن مرسي ينتمي لتنظيم الإخوان، والولاء للتنظيم مقدم على الأوطان، كما يعلم الجميع، كما أنكم تتابعون هوس الحزبيين السعوديين بزعيم اقليمي لدرجة التقديس عياذا بالله، فكل ما يفعله ذاك الزعيم فهو استثنائي وعظيم، وبلاده هي أعظم بلاد الأرض، أما بلادهم فليس لها أي ايجابية تذكر، والرابط مرة أخرى هو الإنتماء الحزبي، ومع الأزمة الحالية مع قطر هذه الأيام، يواصل الحزبيون ذات النهج في خذلان بلدهم والوقوف مع خصومها، وهذا هو موضوعنا القادم!.