عبدالوهاب الفايز
كان أملنا كبيرا، إلى آخر لحظة، أن نرى الحكمة وحسن التدبير تأخذ أخواننا في قطر لكي يتعلموا من تجربتنا المرة مع الإخوان المسلمين، احتويناهم ودعمناهم ثم انقلبوا علينا وادخلوا شبابنا في متاهات العنف، فالجماعات المتأسلمة اندفعت لمشاريع سياسية كبرى أدخلت الدول الإسلامية في دائرة العنف المتبادل، والأسواء إنها ساهمت في تشويه صورة الإسلام والمسلمين.
قطر دخلت في متاهات هذه الجماعات وأشغلت نفسها بمشاريعها وأحلامها ومؤمراتها، وجلبت إلينا في بيتنا الخليجي المنتفعين الذين اتخذوا العمل الإسلامي الحزبي سبيلا لتحقيق اهدافهم وغاياتهم النفعية، ولم تكتف بهؤلاء، بل فتحت أبوابها للمنتفعين المدعين العروبة، وهؤلاء اتضح أنهم اْبواق لمشاريعه الخاصة.
من هؤلاء الذين احتضنتهم قطر الاسرائيلي عزمي بشاره، فهذا المتاجر في القضية الفلسطينية على المنابر، والمتآمر عليها تحت قبة الكنيست، منذ دخل البيت الخليجي وأطل من قناة الجزيرة متوجها بالخطاب للوجدان الخليجي والعربي، توجسنا المشاكل والخلافات، ومع الأسف أن إخواننا في قطر فتحوا له قلوبهم وخزائنهم التي استخدمها ضدنا في إنشاء المنابر الإعلامية والوسائط الاجتماعية التي تبنت مشاريع التخريب التي تستهدف تأزيم المشاكل، وتحريض الشباب على حكوماتهم الخليجية.
هذه الأنشطة لم تكن خافية، ولم نكن سُذّجا لكي تمر علينا، ولكن كنا نقدم المصالح العليا للشعوب الخليجية، ونتغافل، ونقدّم حسن النوايا حفاظا للبيت الخليجي. ولكن عندما تجاوز الأمر إلى تهديد أمننا القومي ووجودنا، بالذات أمن وسلامة الشعب القطري، كان لابد مما ليس منه بد، واضطررنا لركوب الصعب لنتخذ هذا الإجراء الحازم الحاسم لنقطع العلاقات، (وطبعا لن نقطع الأمل بأن يلمسوا رؤوسهم ويكبروها!)
ما كنا نطلبه وما سوف نبقى نرجوه من قيادة قطر ليس معجزة أو مستحيلا، نطلب منها الالتزام بثوابت البيت الخليجي، بالذات حماية أمننا واستقرارنا وأبعاد الدخلاء المستنفعين أصحاب الثارات وأصحاب المشاريع السياسية من بيتنا، هل هذا صعب؟ وهل هذا يخصنا وحدنا؟ عندما نصون أمننا في السعودية ووحدتنا، فإن الكاسب الأكبر هم أخواننا في الخليج، بالذات قطر الأكثر قربا وتواصلا.
مع الأسف، المشاكل التي تقع بيننا تجد من يستثمرها وينفخ فيها لتكبر، وفِي الأسبوعين الماضيين رأينا من اقتنصوا اللحظة لتوسيع رقعة الخلاف، وبخبث عظيم اتجهوا إلى زعزعة وجدان أخواننا القطرين، ورأينا المئات من الحسابات والمعرفات المشبوهة تدخل لتنال من عزتهم ومن كرامتهم، ولإخواننا في قطر نقول: ثقوا لن نقبل ونرضى النيل من عزتكم وكرامتكم!
ربما نقول إن الفرص تولد من التحديات والأزمات، فقطع العلاقات بداية حازمة لاستعادة قطر إلى البيت الخليجي، لكي تكون مع أهلها و(أخوانها الحقيقين)، فالقلوب الخليجية سوف تبقى مفتوحة لأخواننا لكي يستدركوا أوضاعهم ومستقبل بلادهم حتى يعودوا إلى إغلاق الملفات الكبيرة التي تتجاوز قدراتهم، ولا تخدم مصالحهم العليا. قضايا المنطقة الشائكة وحجم التحديات المصيرية التي نواجهها، بالذات تهديدات المشروع الفارسي، تتطلب العمل الجماعي الذي تلتقي عليه الهمم وتُستجمع له عزائم الرجال، ومن يضن انه قادر وحده على إدارة الملفات الكبيرة فإنه يتعب ويتعثر ثم يسقط.
كل الذي نحمله في قلوبنا هو دعواتنا الصادقة لأشقائنا في قطر لأن يكونوا أكثر ثقة بالله، ثم يثقوا بصدق نوايانا تجاههم. أنهم في موقف مؤلم صعب، وندعوا الله أن يعينهم ويعيننا على تجاوزه، ولعل القيادة القطرية تدرك معانات شعبها والمأزق الذي وضعتهم فيه. لقد كانت الفرصة متاحة للسلطات القطرية للاستمرار في مسيرة شعبها بأمن وسلام اجتماعي ورخاء اقتصادي في ظل مسيرة الخير والبناء مع أشقائها، ولكن من لا يؤتى الحكمة يفقد شيئا عظيما!