خالد بن فيحان الزعتر
القرار الذي أقدمت عليه كل من المملكة العربية السعودية، ومملكة البحرين، ودولة الإمارات العربية المتحدة، وجمهورية مصر العربية بقطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر وإغلاق المنافذ البرية والمجالين الجوي والبحري كانت خطوة منتظرة بالنظر إلى تصرفات السياسة القطرية، وبخاصة في الآونة الأخيرة، والتي وصلت إلى ذروتها عقب تصريحات تميم التي سعت الدوحة إلى نفيها بمبررات غير منطقية، وكذلك استمرار الإعلام الممول من قطر للإساءة إلى السعودية ودولة الإمارات وجمهورية مصر العربية.
الدوحة بلا شك وبسياساتها غير العقلانية هي الخاسر الأكبر من قرار قطع العلاقات الدبلوماسية مع الدوحة وعزلها برياً وبحرياً وجوياً لكن هناك أيضاً أطرافا كثيرة سوف تطالها هذه الخسائر مثل إيران التي استفادت كثيراً من سياسات الدوحة الرامية لشق الصف الخليجي والعربي والعبث بالأمن القومي العربي، لذلك نجد أن هذا القرار الذي أقدمت عليه بعض الدول العربية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية ضربة موجعة لنظام الملالي في إيران وأيضا ضربة قاصمة للإرهاب بكافة أشكاله ومسمياته لأن هذه العزلة التي قطر في دائرتها سيكون لها أثر كبير في تجفيف منابع التمويل القطري للإرهاب.
عندما نأتي لنبحث عن جذور الازمة مع قطر نخطئ إذا اعتقدنا أن هذه الأزمة ذات جذور قصيرة، بل أن جذور هذه الأزمة تمتد إلى التسعينات عندما قام الشيخ حمد بن خليفه بالانقلاب على والده وأورث الحكم لابنه تميم وبغض النظر عن طريقة التوريث أكانت بتنازل عن رغبة أم بانقلاب لا يختلف كثيرا عن الانقلاب الذي حصل في التسعينات وهو أمر ليس بجديد، وخصوصا أن الانقلاب أصبح من الأشياء المتوارث عليه في الدوحة وأحد المبادئ التي سار عليها ولايزال نظام الحكم في الإمارة الصغيرة قطر.
لذلك نجد أن هذه السياسات القطرية الخارجة عن الإجماع الخليجي والعربي والداعمة للفوضى والإرهاب ليست جديدة بل تمتد جذورها إلى التسعينات، وهذا يجعل من الصعب علاجها لأن هذه السياسات الاستفزازية لدولة قطر أصبحت مبادئ راسخة وسمة أسياسية من سمات النظام الحاكم في دولة قطر منذ التسعينات، ومن هنا نجد أن نظام تميم لم يأت بشيء جديد بل هو قام بوراثة هذه السياسات من العهد القديم (عهد والده)، ومع الاسف أثبت نظام تميم أنه غير قادر على تغيير هذه السياسات ولعل اتفاق الرياض العام 2014 وما قدمته قطر من تعهدات لتغيير سياساتها ومن ثم انقلبت على هذه التعهدات وسارت على نفس المنهاج والسياسات القديمة خير دليل أن النظام الحالي الحاكم في قطر ليس على استعداد للتخلي عن هذه السياسات وإحداث تغييرات جذرية في مسار السياسية القطرية لتكون متوافقة مع الإجماع الخليجي، وكذلك العربي بل بالعكس سعى للاستمرار في هذه السياسات الفوضوية..
لقد أثبتت جميع الشواهد والتطورات الحاصلة في الأحداث والتي وصلت إلى قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر أن النظام الحاكم في الدوحة قد تحول إلى نسخة مطابقة لنظام الملالي في إيران دولة لا تحترم المعاهدات وأنه ليس لديه الجاهزية والاستعداد لإحداث تغييرات جذرية في السياسة القطرية والتخلي عن مواصلة السياسات التي أرسى قواعدها العهد القديم من دعم للفوضى واحتضان الجماعات الإرهابية والخروج عن الإجماع الخليجي والعربي لذلك أعتقد أن الحل لهذه المعضلة إن استمرت وذهبت باتجاه التصعيد ولم يرجح النظام الحاكم في الدوحة العقل باعتقادي أن الأمور قد تفرض ضرورة تغيير النظام الحاكم كحل لابد منه لإعادة الدوحة إلى جادة الصواب، والمجيء بنظام تكون لديه القدرة الكافية على التخلي عن السياسات التي أسسها العهد القديم واستمر على طريقها العهد الحالي، يكون نظاماً على استعداد للتخلي عن المشاريع الفوضوية والداعمة للإرهاب وأيضاً يضع اعتبارا للوحدة والمصير المشترك، ويؤمن بأن الخليج عمق استراتيجي لقطر وليس ما يعتبره الآن النظام الحالي الذي يبدو أنه قد وضع من إيران والجماعات المصنفة إرهابية بمثابة العمق الاستراتيجي له.
إن سعي كل من ليبيا واليمن وجزر المالديف للسير على خطى الرياض وأبو ظبي والمنامة والقاهرة وذلك بإعلان قطع العلاقات مع قطر، وكذلك تأييد رابطة العالم الإسلامي لقرار قطع العلاقات الدبلوماسية مع الدوحة هذا كله يمكن النظر له بأن دائرة العزلة التي ستواجهها الدوحة مرشحة للاتساع، وذلك لأن الدول التي تضررت من سياسيات الدوحة ودعمها اللامحدود للإرهاب وصناعة الفوضى وتغذية العنف كثيرة ما ينذر ذلك بدخول الدوحة في عزلة لا تقتصر فقط على العزلة الخليجية والعربية بل سوف تتسع أكثر لتصبح في عزلة إقليمية.
الكرة اليوم في ملعب النظام الحاكم في الدوحة هو وحده من يمتلك مفاتيح الحل إذا ما سعى للتراجع عن سياساته الحالية وقام بإحداث تغيير ات جذرية في سياساته وصياغة سياسات جديدة تكون متوافقة مع الإجماع العربي والخليجي وعدم الشذوذ عنه وإلا فإن الإجراءات التي اتخذت تجاه قطر من عزل وإغلاق لكافة المنافذ البرية والمجالين البحري والجوي سيكون لهذه الإجراءات وإن سعت الدوحة إلى التقليل منها الكثير من التأثيرات السلبية وبخاصة على الجانب الاقتصادي القطري، وهذا سيؤدي بالضرورة مع مرور الوقت إلى تحرك داخلي وقد نشهد سيناريوهات ربما لا تختلف كثيراً عن سيناريوهات التسعينات عندما قام الشيخ حمد بن خليفة أمير قطر السابق بتنفيذ إنقلاب على والده وعزله عن الحكم.