د. عبدالواحد الحميد
ليس خافياً على أحد أنه ليس بوسع أي بلد في العالم أن يعيش في عزلة عن بقية دول العالم، فحتى البلدان التي رغبت في ذلك لأسباب أيديولوجية لم تستطع الاستمرار في عزلتها.
ورغم أن المُنَظِّرين الاقتصاديين يربطون فكرة الانفتاح الاقتصادي بأشخاص مثل آدم سميث وديفيد ريكاردو وغيرهما من المفكرين الذين كتبوا في القرن الثامن عشر في إنجلترا عن فضائل ومزايا الاقتصاد الحر والأسواق المفتوحة وهاجموا السياسات الحمائية والانعزالية التي كانت سائدة في إنجلترا وفرنسا والدول الكبرى آنذاك، إلا أنَّ مَنْ لَهُ أدنى معرفة بتاريخ البلدان والحضارات والثقافات المختلفة يدرك أن التبادل التجاري بين مختلف البلدان كان قائماً منذ أقدم العصور، وكان لجزيرتنا العربية نصيبٌ وافر في هذا المجال سواء من خلال حركة القوافل التجارية التي اخترقت صحراءها ممثلة بـ «رحلة الشتاء الصيف» وغيرها أومن خلال السفن والمراكب التي حملت المنتجات التجارية بين الهند والجزيرة العربية.
ونحن في المملكة، مثل غيرنا من بلدان العالم، نعيش في حالة شراكة اقتصادية مع البلدان الأخرى. فقد كانت المملكة منذ تأسيسها تعتنق فلسفة الاقتصاد الحر قبل أن تصبح هذه الفلسفة تياراً كاسحاً في العالم العربي بعد عقود طويلة من الممارسات الحمائية المناهضة للانفتاح الاقتصادي. لذلك، كان من الطبيعي أن يزداد حجم شراكاتنا مع البلدان الأخرى في زمن العولمة والآفاق التجارية المفتوحة والتسابق إلى الحصول على عضوية منظمة التجارة العالمية.
مناسبة هذا الكلام هي ما جرى توقيعه من اتفاقيات مع روسيا الاتحادية مؤخراً، فهذا التوجه مناسب جداً لأنه يحقق نوعاً من التوازن في علاقاتنا التجارية مع بلدان العالم.
صحيح أن أوروبا الغربية والولايات المتحدة تملكان ريادة في الاقتصاد والتقنية وأسواقهما جاذبة للاستثمار، لكن من الحصافة ألا تغيب عن الذهن القاعدة الاستثمارية الشهيرة المتمثلة في «عدم وضع البيض في سلة واحدة». فمثلما أن الاتفاقيات الاقتصادية التي تم توقيعها مع الولايات المتحدة مؤخراً تفتح آفاقاً في مجال الاستثمار وتنويع مصادر الدخل، فإن تعميق الشراكات التجارية مع بلدان مثل روسيا واليابان وكوريا الجنوبية والبلدان الآسيوية الصاعدة هو ضرورة قصوى لأنه يمنحنا مساحة للتحرك وتقليل الاعتمادية على شريك رئيسي واحد أو عدد محدود من الشركاء الرئيسيين.
الانفتاح الاقتصادي ينطوي على مغامرة، لكن العزلة هي انتحار محقق، والحل يكمن في تنويع الشراكات وتنويع الاستثمارات.