د.علي القرني
ماذا تريد قطر؟
وماذا تريد باقي دول الخليج؟
يبدو أنهما في اتجاهين مختلفين، يلتقيان أحيانا، ويختلفان كثيرا.. وعندما يختلفان فهما (الطرفان) يختلفان على إستراتيجيات كبيرة وليس على هوامش وشكليات.. إن ما يحدث الآن بين قطر من ناحية وبين كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين من ناحية أخرى هو انعكاس لاختلافات جوهرية على صعيد السياسات الداخلية والخارجية لمجلس التعاون الخليجي، حيث نأت قطر بنفسها عن الإنسجام عن جسد المجلس، وحاولت كثيرا أن تستقل بسياساتها الخارجية عن السياسات الخارجية لباقي دول المجلس.
ومرت قطر بأحداث داخلية كثيرة ومقلقة، ففي عام 1995 انقلب فيه الشيخ حمد على والده الشيخ خليفة عندما كان والده مسافراً في إجازة إلى سويسرا، وأعلن نفسه أميرا للبلاد، ونفس الشيء حدث عام 1972 عندما انقلب الوالد الشيخ حمد على ابن عمه حاكم البلاد في ذلك الوقت وتسلم دفة الحكم بعد عام واحد من استقلال قطر من الحكم البريطاني. وفي عام 2013 وصل الشيخ تميم إلى الحكم بعد تنازل والده الشيخ حمد في ظروف غامضة، وفي تلك الفترة كانت العلاقات بين قطر وباقي دول الخليج في أسوأ حالاتها، ونُظر في ذلك الحين إلى أن تغير الأشخاص ربما يقود إلى تغيير السياسات، وربما يكون ذلك فرصة لعودة قطر إلى أخوانها وأشقائها في دول المجلس.
ولكن من الواضح أن هناك قوى تضغط على السياسة القطرية لتعيدها كما كانت، وتضع لها مسارات خارج مسارات المصلحة الخليجية العليا، وهذا ما شكل نقاط اختلاف كبيرة في السياسات الخارجية لمجلس التعاون، فقطر أرادت أن يكون لها نهجها في عدم الانسجام مع المنظومة الخليجية، بينا تريد دول المجلس أن تتوحد السياسات الخارجية في سياسة خارجية واحدة. وما يمكن أن نصف به السياسة الخارجية القطرية هو أنها سياسة في كثير من الأحيان احتضان لكل ما هو عدو وخصم ومعارض لدول المجلس. وهذا لا شك مصدر قلق كبير لدى باقي دول المجلس.
وخلال فترة الشيخ تميم وهي فترة أربع سنوات فقط، لم تتعدل السياسة القطرية وساءت كثيرا وانفجرت في أوقات مختلفة، ولكن الانفجار الأخير قد أشار إلى أن دول المجلس وصلت حدها الأقصى في تحمل السياسة القطرية، المبنية على فكر التناقض والنفاق، وجمع الأعداء والخصوم والأصدقاء. وعجزت دول المجلس في فهم مغزى السياسة القطرية، فهي تريد أن تتحاور مع أعداء المجلس، وتبقيهم في علاقة قريبة منهم، وتضعهم في مسافة واحدة مع الأخوة والأصدقاء الحقيقيين. وهذا التناقض بين فكر وممارسة السياسة الخارجية لقطر واختلافه نوعيا عن فكر وممارسة باقي دول المجلس وخاصة المملكة والبحرين والإمارات هو الذي أدى إلى تفاقم الأزمة ووصولها إلى طرق مسدودة.
ما تحتاحه قطر الآن وفي كل وقت هو أن تصحو غدا لتتعرف على محيطها الخليجي، قبل أن تبحث عن محيط بعيد عنها، وتعلم أن قطر هي جزء ويجب أن تكون جزء من المنظومة الخليجية، ولا يجب أن تغير من جلدها لتتواءم مع الغير من الخصوم والأعداء المتربصين بمصالح دول الخليج العربية. ولا شك أن قادة دول المجلس يملكون الحكمة والرأي السديد في إدارة هذه الأزمة الكبيرة التي تؤثر لا شك على مكانة ودور مجلس التعاون. وكثير من الدول المحيطة بمنطقتنا الخليجية والبعيدة كذلك تتمنى فعلا أن يتقوض هذا المجلس وان تتفكك دولها، لأنه انجح تنظيم سياسي في المنطقة العربية، وعلى الرغم من مروره بأحداث عاصفة وأزمات كبيرة، إلا أنه بقي محافظا على كيانه ومنظومته السياسية وهذا ما نتمناه.