السينما الواقعية الإيطالية أحدثت تطوراً في طبيعة صناعة الأفلام، ومن أبرز الأمثلة على هذه المدرسة السينمائية هو فيلم سارق الدراجة عام 1948 للمخرج الإيطالي فيتوريو دي سيكا. ويعتبر من أهم وأبرز الأفلام بالتاريخ.
فيلم سارق الدراجة يحكي قصة رجلاً عاطلاً عن العمل، يقوم برهن أدوات أساسية من منزله للحصول على دراجة كفرصته الوحيدة التي يحصل من خلالها على عملي روتيني يومي. وبعد استلام الدراجة، وفي أول يوم عمل، يتم سرقتها من أشحاص مجهولين.
فيذهب مع ابنه الصغير، ويقوم بالبحث عنها في كل مكان في روما. وبعد التعب الشديد من البحث، يجد نفسه خائفاً أن لايجدها، وبالتالي بلا دراجة سيفقد فرصته الوحيدة على العمل، وفي لحظة ضُعف أوحت نفسه عليه أن يقوم بمحاولة سرقة دراجة موجودة في الشارع بلا رقيب، فيسرقها، ولكن يتم إلقاء القبض عليه بسرعة، فيصبح ابنه شاهداً على كل ذلك، شاهداً على الذُل، وشاهداً على الإهانة التي يقع فيها والده. في هذه اللحظة ينتقل الفيلم إلى مستوى سردي مختلف جداً عن البداية السعيدة التي بدأت فيها أحداث الفيلم، أو كما يصفها أحد النقاد، بدأ الفيلم «بالنعيم» بفضل الدراجة وفرصة العمل، ثم انتهى إلى «الجحيم» فيها الرجل يحاول أن يسرق دراجةً أخرى بسبب القهر، وبسبب خسارته كل شيء.
أبطال الفيلم أشخاص حقيقيون من الهوامش، لأن الواقعية الإيطالية ترفض أن يكون أبطال أفلامها نجوما مشهورين، وأماكن التصوير هي شوارع روما المزدحمة، لأن الواقعية الإيطالية ترفض التصوير داخل الاستديو، وقصة الفيلم قضية اجتماعية لأن الواقعية الإيطالية تشترط أن تناقش أفلامها قضايا اجتماعية.
و الفيلم من الناحية السردية مختلف عن الأسلوب السائد في تلك الفترة الزمنية، لأن الفيلم يركز على تأثير سرقة الدراجة والبطالة وفرصة النجاة الوحيدة رغم بساطتها، فتسير القصة داخل منحنيات سريديةـ وفيها كل لقطة تجعل اللقطة التي تأتي بعهدها غير متوقعة، وأشد أهمية من اللقطة التي سبقتها. ولو كان الفيلم من صناعة هوليوود لتم التعامل مع الأحداث من منظور آخر مختلف كلياً، وسيكون مركز القصة علاقة الأب بابنه من ناحية أسرية، وبنهاية هوليوودية سعيدة.
في سارق الدراجة لم تكن حادثة سرقة الدراجة عملاً يحدث في خلفية القصة، ولكنها مركز سردي أساسي لتصاعد وبناء الأحداث، مع شكل وأسلوب واقعي ينتمي فعلاً للحياة الواقعية، بعيداً عن العوالم الوردية التي تصنعها الأفلام والسينما.
الفيلم من تأليف الروائي والناقد والصحفي سيندار زافايتي، وهو من أهم كتاب السيناريو في تلك الفترة، يقول: قبل ظهور الواقعية الإيطالية ـ إذا فكر أحدهم في صناعة فيلم، لنقل مثلاً، فيلماً يتناول موضوع الإضراب عن العمل، طاقم التأليف والكتابة سيصنعون قصة، وسيضعون الإضراب كحادث يأتي في خلفية القصة، يأتي كنتيجة بعد البناء الدرامي للأحداث.... ولكن اليوم، بأسلوب الواقعية الإيطالية، سنقوم بصناعة الفيلم عن الإضراب نفسه، كنتيجة وسبب وتأثير، فنقوم بالتركيز مباشرة على الإضراب بعزيمة وثقة غير منتهية في الأحداث، كأن نصور الحقائق، والمكان، والناس». هذا التغيرر يعتبر ثوريا في عالم صناعة الأفلام حيث إنه غير تركيبة القصة السينمائية.
- حسن الحجيلي