يأتي علينا معالجات درامية لا تعبأ بأبعاد الزمن أو أبعاد إيطييقية أو حتى رسالة للعمل الدرامي، كل ما يهم فيها الآتي والراهن والمعاصر والوقتي بصرف النظر عن العمق الدرامي. انتهى عصر الصورة التي لا مبتدأ لها ولا خبر، يستطيعه أي زائر لمعرض الفنون الجميلة بأي صالات عرض وهم يعمدون إلى تأبيد الزمن في لوحة، في مشهد فلسفي جميل يصنعه المتلقي لذاته وبفردانية متناهية تحكمها المسافة بين المشاهد والصورة ليجد ذاته داخل اللوحة أو بعيدة من خلال ما تؤول إليه الصورة إلى النفس. كل شيء في عالم الصور يرمز إلى شيء، التمايز والتفاضل هي في درجة انطباعك أو نقل الشعور إلى اللا شعور من خلال الصورة عندما تسيطر على خيالنا وتنعدم المسافة بينك وبينها واصبحت ترى اللوحة من خلالك.
في العالم البصري لا يسمح لك بالتفكير سوى فيما تقدمه أو تظهره لك الصورة.. لكن في المشهد الدرامي يختلف الأمر، أنت تنقل مجموعة صور وفكر تراكيبي وتراكمي، وعَقد اجتماعي وكوم من المفاهيم ونظم اجتماعية لا حصر لها وعناصر إيديولوجية تربَع في مشهد يبتزّ عقل المشاهد ويثير تساؤلاته. يُوصل فكرةً أو يُبقي أثراً أو يَكسب دهشته أو استفهامه -على أقل احتمال- لكن أحياناً أخرى نجد الفكرة أو المضمون يرَوج في المشهد أو يعزز لهما كمية مشاهد لا وجود لأي منطق فيها وغير مترابطة تتدفق أمام أنظارنا دون أن نعلم أين العلة والمعلول، دون أن نعرف مصوغات الحدث فيلتبس كل شيء!
إن لم يكن المشهد الدرامي صيغة ربط للواقع وبعداً لقضايا اجتماعية حقيقية وفضاءً للتحليل السميولوجي والإيديولوجي والنقد الثقافي للمجتمع وإلا فهو «هذيان اجتماعي» فاقد لأي أساسيات القوة والإقناع، وما الإيديولوجيات - التي عبّر عنها المشهد- إلا كإنشاءات أو حكايات عن الصورة أو القضية فقط. لكن حينما يكون للعمل الدرامي قضية عميقة و بعداً إكلينيكياً للنفس فأن الفكرة تدوي برأس المشاهد تجني انطباعه ويبقى أثرها مثل الخيال الذي يسافر مع الصورة أو اللوحة الفنية .. لأن تقمّص أي دور يعزِّز نموذج أيديولوجي يعبر عنه المشهد وهذا له دوراً في تماهي المُشاهد معه.
لا يمكن للمشهد الدرامي إلا أن يكون له بعداً درامياً حقيقياً ونهجاً لوصف أشياء و قضايا إجتماعية واقعية حتى تكون أحداث المشهد مقنعة ومسوغات لوقائع حقيقية نراها ونسمعها ونعيشها كل يوم كي لا يحدث انفصام بعقل المشاهد وينبثق برأسه عدة محاور وتحليلات للمشهد الواحد. في العمل الدرامي علينا الاتساق مع حقيقة أن الشاشة هيَ وسيلة تأكيد للصورة وإيصال فكرة نافذة لا صيغ تناقض وتعارض وتقابل.
حسب رولان بارت: الصورة هي الإعلام أو الإخبار، ثم التمثيل والتدليل على معنى. لذا في السبعينات والثمانينات تم معالجة جرائم قتل وحوادث من خلال دراما تحكي قصصاً حقيقية، كذلك المغامرات الغرامية وشبيهها من خلال وقائع إنسانية نافذة لأنها مقنعة درامياً.
العمل الدرامي الجيد بنظري؛ هو إيديولوجية إثبات الواقع كما هو.. بوقائع إنسانية حقيقة تمثل قضية، فنحنُ لا نرى الصورة بقدر ما نرى ما تمثله.
- هتون السويلم