خالد بن حمد المالك
تحاول قطر أن تتهرب من إدانة العالم لها، تعسف الحقيقة، وتنكر أنها دولة تمول الإرهاب وتتبنّاه، ولا تسلّم بما يقال عن تبنِّيها للإرهاب حتى ولو جاء ذلك من أعلى سلطة في العالم، أعني من رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، وكأنها تقول لمن يتهمها أو يدينها بذلك، أو يطلب منها الكفّ عن دعمها للإرهاب، بأنها ملتزمة وباقية على موقفها الذي لم ولن يتغير، مع تأكيد ساذج منها بأنها بريئة مما توصف به كممولة وداعمة ومتبنِّية للإرهاب.
* *
هكذا هي قطر، متمردة على القوانين والأعراف، تحت عنوان: نحن دولة نمارس حقنا السيادي، ولا يحق لغيرنا أن يتدخل في سياساتنا، دون أن تعي حجم الأضرار التي لحقت بالدول المجاورة بفعل هذه السياسة الهوجاء، والممارسات العدوانية، وما يُلزمها به أطر العلاقات الدولية، بقوانينها ومتطلّباتها، وهو ما لا تلقي له قطر الحبيبة بالاً أو اهتماماً.
* *
قطر في رعب واضح لكنها تحاول أن تخفي مظاهره وتأثيره على مواقفها عن العين الراصدة، ومتعامية عن الحقيقة وكأنّ المتابع لا يدرك التفاصيل وما بين السطور، وبما لا يمكن أن يخدعه إعلام قطري مسيّس اعتاد على الأكاذيب، والترويج للإرهاب، وقتل أي فرصة تومض بإنقاذ قطر مما تورّطت فيه، في مؤامرة لم يدرك أمير البلاد خطورتها بعد على مستقبل قطر، وتأثيرها السلبي على دول مجلس التعاون وغيرها من الدول.
* *
ومع أنّ قطر تتلقى في كل يوم مزيداً من الصدمات ما لا حيلة لدولة صغيرة مثلها لمقاومته، إلاّ أنها تكابر وتعاند وترفض أي حلول يعيدها إلى أُمتها، بعيداً عن حبائل المتآمرين والإرهابيين وذوي النوايا السيئة، في أعمال وتصرفات غير مسؤولة وتصدر منها بتأثير من القوى الإرهابية القابعة في الدوحة، حيث التخطيط والتمويل وتصدير الإرهاب إلى أشقائها.
* *
حتى والرئيس الأمريكي يؤكد في مؤتمر صحفي إدانة قطر بعد مجموعة من التغريدات التي أدان بها من قبل دعم قطر للإرهاب، فقد تعاملت قطر مع هذه التصريحات بترجمتها وتحريفها عن سياقها الصحيح، وحاولت باستخفاف تتحدث عن أنّ الرئيس ترامب تحدث عن المتطرفين لا عن الإرهابيين، وأنه حين تحدث عن الإرهاب طالب كل دول المنطقة بأن تتحمل مسؤولياتها في ذلك، أي أنها تريد أن تقول إنّ جميع دول الخليج العربي شركاء معها في دعم الإرهاب، بينما الرئيس كان يركز على قطر، ويطالب بمساندة ومساعدة دول المنطقة للقضاء على الإرهاب.
* *
ومطالبة ترامب الدول بالمساعدة في القضاء على الإرهاب هو هاجس هذه الدول، وأولها تجفيف منابعه في قطر، بالضغط على الدوحة بإيقاف إيواء الإرهابيين في البلاد، والتوقف عن دعمهم مالياً وإعلامياً ولوجستياً، وهو ما كلف قطر كثيراً بقطع العلاقات الدبلوماسية معها، بسبب إصرارها على مواقفها الرافضة للقبول بالتوقف عن دعم الإرهاب، وعدم استعدادها لتقديم أي تنازلات تبدد مخاوف الدول المجاورة من الاستمرار القطري في تبنِّي ودعم الإرهاب.
* *
وبالعودة للصدمة التي أحدثتها التصريحات التي كانت محور المؤتمر الصحفي للرئيس ترامب، والموقف القطري منها، فإنه من الملاحظ أنّ الدوحة لا تزال غير مدركة لخطورة سياساتها، وأنها لم تستوعب الدروس بعد، وأن حديث الرئيس مع قطع العلاقات الدبلوماسية معها، والإعلان عن القائمة السوداء بأسماء الإرهابيين من أفراد وكيانات ممن تدعمهم قطر، لا تمثل كل هذه شيئاً بالنسبة للمغامرات القطرية المعتادة، وكأنها لا تدرس بأنّ الأمور الآن غيرها في الأمس، وأنّ الفرصة تضيق أمامها لتجنب ما هو أخطر مما تم الإعلان عنه.
* *
يقول الرئيس الأمريكي بوضوح، على قطر أن تتوقف فوراً عن تمويل الإرهاب والأيدلوجية المتطرفة، وأضاف بأنّ الدوحة لديها تاريخ في تمويل الإرهاب وعلى أعلى المستويات، وأنه لا توجد دولة متحضرة - يقصد قطر - تتسامح مع الإرهاب والعنف، أو السماح لهذه الأيدلوجية الشريرة بأن تنتشر، وأضاف بأنّ عدداً من الدول تحدثت له خلال قمة الرياض عن سلوك قطر، وكان يجب علينا أن نصل إلى قرار: هل نمضي قدماً في مواجهة قطر عبر الطريق السهل، أم في النهاية يجب علينا أن نسلك الطريق الصعب، ولكن بإجراءات ضرورية، وأوضح بأنه قرر مع وزير الخارجية الأمريكي والجنرالات والعسكريين، بأنّ الوقت قد حان لدعوة قطر بأن توقف التمويل وكذلك تمويل الأيدلوجية المتطرفة.
* *
وزير الخارجية الأمريكي من جانبه قال: إن قطر لديها تاريخ في دعم الجماعات الإرهابية المتطرفة وعليها تغيير ذلك، أي أن الخيارات أمام قطر للمناورة أصبحت محدودة، والهروب من المسؤولية هي الأخرى محدودة جداً، والوقت يمضي سريعاً، وما لم تتجاوب مع الداعين إلى وقف الإرهاب، وتتحمل مسؤولياتها في هذا الشأن، فإنّ قرارات قادمة سيكون العالم على موعد معها، ولن يكون الرهان على تركيا وقطر كافياً للحيلولة دون المس بمصادر الإرهاب في دولة قطر، طالما أن قطر لم تذعن للقرارات الدولية بشأن وقف دعم الإرهاب.
* *
لقد حاولت قطر من خلال إعلامها أن تخفف من وطأة تصريحات الرئيس ترامب، وأن تترجمها بشكل مغاير لما عناه الرئيس، في تصرف ساذج، وإجراء ينسجم مع ما عُرف عن قطر من اختلاق للأسباب التي تلبي وتستجيب لسياساتها في الإبقاء على دعم الإرهاب والعنف والتطرف، ومحاولة الضغط على دول المنطقة بتعريض أمنها للخطر، مثلما هو موثق وثابت في التسريبات لمقاطع صوتية لرجال الحكم في البلاد.
* *
لهذا كله، ومن باب التمنيات، أخاطب الضمائر المخلصة في الدوحة بأن تكفّ قطر عن إيذاء جيرانها والتحرش بهم، وأن تتوقف عن محاولاتها خلق الفوضى في بلدانهم، وأن تلبي وتستجيب لنداءات أشقائها دول الخليج بالتوقف الفوري عن دعم الإرهاب، وأن تكون على علم بأنّ الحوار والدبلوماسية والجلوس على طاولة واحدة التي تدعو الدوحة لها، ينبغي أن يسبقها الاستجابة القطرية لشروط الدول الشقيقة، وإعطاء الضمانات لأيِّ اتفاق متوقع في المستقبل، فما نتمناه لقطر وشعبها العزيز، هو ما نتمناه لدولنا وشعوبنا، غير أنّ القبول بالإرهاب القطري شرطاً لعودة قطر إلى حضنها الخليجي غير ممكن، ولن يكون مقبولاً، ولا يحقق ما نتمناه للعزيزة قطر.
* *
لقد كان الرئيس ترامب واضحاً في تصريحاته، مشيداً بما وجده من الملك سلمان ومن قمة الرياض التاريخية التي شارك فيها، كونها قمة تاريخية وغير مسبوقة، متمنياً أن تكون بداية النهاية للإرهاب، وهو ما يجب أن تفهمه قطر، وتطبقه، وتفتح صفحة جديدة في التعاطي مع الإرادة الدولية بشأن الإرهاب، كي يتجنب أمير البلاد ووالده وبقية المسؤولين في قطر تأثير هذه السياسة الجديدة على مستقبل الشقيقة الصغرى دولة قطر، وهذه مسؤولية الشيخ تميم ووالده ووزير الخارجية الأسبق حمد بن جاسم، وهم الثلاثة الذين عانت قطر والدول الشقيقة منهم الشيء الكثير، بما لا قبول بذلك بعد اليوم، ولا تسامح أو تساهل من الآن فيمن يعرض سلامة المنطقة للخطر.