د. أحمد الفراج
ذات زمن، أعلن مغرِّد حزبي أنه سئم من تويتر، وأنه سيغادر إلى غير رجعة، فانبرى له واعظ حزبي شهير، وطالبه بالبقاء، وذكّره بأنّ الأمة في حاجة لجهاده التويتري، وقال له نصاً: "إنّ مغادرتك لتويتر الآن تدخل في باب التولي يوم الزحف"!، وكان ذلك في غمرة حشد الحزبيين السعوديين ضد ثورة يونيو في مصر، وهي ثورة الشعب المصري ضد تنظيم الإخوان، والتي دعمتها المملكة، من منطلق الوقوف مع شعب مصر، فقد كان موقف الحزبيين، ولا يزال، ضد حكومة الرئيس السيسي، الحليف القوي للمملكة، وهذا متوقع، لأنّ مواقفهم تتماهى دوماً مع مواقف الدول التي تدعم التنظيم، وتحديداً تركيا وقطر، وقد علمنا من خلال نصيحة ذلك الواعظ الحزبي للمغرد أنّ الوقوف مع التنظيم يعتبر جهاداً، وأن التخاذل يعتبر ضرباً من الخيانة، ويدخل في نطاق التولي يوم الزحف.
دارت الأيام، وحصل انقلاب في تركيا، ولا يهمنا هنا الانقلاب بذاته، بل موقف الحزبيين السعوديين منه، فقد هبّوا هبة رجل واحد، وبشكل متناسق، يوحي بأنهم يتلقون أوامر محددة، ودافعوا عن رئيس تركيا، وكان حماسهم لافتاً، وحتى من كنا نظن فيه الرزانة منهم، خرج عن طوره، وقرأنا في ثنايا كتاباتهم ما يصعب تصديقه، وسجلنا بعض الطرائف، ومن ذلك أن أحد الغلاة الحزبيين دافع عن تركيا باستماتة، وعندما ذكّره جمهوره بأنها دولة علمانية، رد بالقول: " إنها علمانية مخففة، وذلك أهون مما لو كانت علمانية كاملة!"، وحينها سجل المؤرِّخون مصطلح " العلمانية المخففة"، للمرة الأولى في التاريخ الإنساني، ولم يكن هذا هو كل شيء، فقد غرر الحزبيون بشيخ دين مسن، واستصدروا منه بياناً يدعم رئيس تركيا العلمانية، رغم أن هذا المسن سبق أن كفّر بعض الإعلاميين السعوديين المسلمين!.
تمر المملكة اليوم بأزمة في علاقتها بدولة قطر، ووصل الأمر درجة قطع العلاقات معها، ثم صدر بيان رسمي، يشمل أسماء منظمات وأفراد يدعمون الإرهاب من قطر، ومع أنّ المعني بذلك هو الوطن، إلاّ أنّ الحزبيين السعوديين يلتزمون الصمت، فمنهم من توقف عن التغريد والمشاركات الإعلامية، ومنهم من بدأ يردد الأدعية والأذكار على غير العادة، ومنهم من خصص حسابه للدعايات مدفوعة الثمن، وكأنّ المعني بهذه الأزمة هي إحدى جمهوريات أمريكا اللاتينية، مع أنّ هؤلاء هم ذاتهم من ملأ الدنيا ضجيجاً دفاعاً عن رئيس مصر المعزول، محمد مرسي، وهم من يدافع عن قطر بالحق والباطل، بل ويعيرنا بها، وهم ذاتهم من صموا آذاننا برئيس تركيا، وهبّوا لنجدته، عندما واجه انقلاباً، ويقف في صف الحزبيين ثلة من الانتهازيين، الذين يغرفون من خيرات البلد، ويدافعون عن كل بلد لهم فيها مصلحة، ولكنهم في حالة صمت رهيبة هذه الأيام، وهنا نتمنى أن تكون القوائم قد فرزت، والمواقف قد سجلت، لأنّ معظم هؤلاء المتخاذلين لا زالوا ممن تطرح فيهم الثقة، ويعول عليهم في الملمات، وهذا والله جور كبير!.