ناصر الصِرامي
مع التطورات الهائلة في صناعة الإعلام شهدت المنطقة ثورة استثنائية في عدد القنوات الفضائية والمواقع الإلكترونية بكافة مجالاتها وتخصصاتها ونطاق تغطيتها واهتمامها الجغرافي، وأنشئت أكثر من مدينة أو منطقة حرة للإعلام وعملت الحكومات على تطوير وسائلها وأدواتها الإعلامية التابعة مباشرة أو غير مباشرة لها.
وفي منطقتنا، في الخليج العربي تحديدا ومع هذا الكم الهائل من الوسائل والمنافسة تم الاستعانة بخبرات من خارج الخليج، من عرب المهجر، وزملاء بارعين من الدول العربية دون استثناء.
ساهمت هذه الخبرات في بناء إعلام المنطقة ليتجاوز حدوده المحلية والإقليمية، إلى ما هو أبعد، بل وساهم بعضها في بناء جيل إعلامي جديد من المنطقة وخارجها.
في زيارتي المتكررة لوسائل الإعلام بالمنطقة، وطوال الإحدى عشرة سنة الماضية، التي قضيتها «مديراً للإعلام» بقناة العربية الإخبارية، شهدت بالفعل تحولات مهمة في مؤسسات الإعلام الخليجية الحكومية أو شبه الحكومية والخاصة.
في البحرين مثلا أصبحت القيادة والممارسة، وإدارة المفاصل في المؤسسات الإعلامية بحرينية بامتياز، أمر يتوسع باستمرار كل عام مع دخول صحفيين وإعلاميين وفنيين بحرينيين إلى المهنة بكل تخصصاتها.
الحال أفضل في تجربة الكويت الإعلامية العريقة، يبدو أن الكويت تعلمت الدرس بعد الغزو العراقي الغاشم، اليوم جل المؤسسات الإعلامية، وأغلب الكتاب والمعلقين والمحللين مواطنين كويتين أكفاء. والحراك الإعلامي الكويتي على كل المستويات يصل صداه لكل الخليج.
في الإمارات، وحيث توجد مدينتين حرتين للإعلام، وحيث أكبر تجمع لوسائل ومؤسسات الإعلام، أتذكر جيدا قبل أكثر من عشر سنوات، بالكاد أن تجد مواطناً إمارتياً يعمل كصحفي ميداني، أو يحمل الكاميرا أو يقف أمامها. كانت المناصب الإعلامية التي يتولاها إمارتيون أقرب لمناصب شكلية،- أو كنت أتصور ذلك.
اليوم عليك فقط أن تتابع «منتدى الإعلام الإمارتي» الذي يعقد في دبي سنويا لترى حجم الزخم الإماراتي في إعلام بلادهم، إعلاميات وإعلاميين يملؤون سماء بلادهم فخراً وانتماء وأداء.
في سلطنة عمان المنزوية على بحر العرب، البلد الخليجي الأمثل في تطوير موارده البشرية، من الوصول إلى المغادرة، فإن العين لن تخطئ أبدا شباب وشابات عمانيات يكتبون ويغردون ويعلقون بكل احترام عن كل القضايا المحلية والخارجية، وباستمرار تكتشف أسماء جديدة، ووجوهاً صاعدة.
في السعودية حيث تجربتي الأشمل في المؤسسات الصحفية دون استثناء والمواقع والصحف الإلكترونية المعروفة، وحيث أبرز القنوات في الفضاء العربي، الإدارة والتنفيذ والعمل وغرف الأخبار وأقسامها تعج بالسعوديين الأكفاء، نمو المواطنين في كل قطاعات الصناعة لا يحتاج إلى إثبات، تعلمنا الكثير من زملاء مهنة محترمين رحلوا وبقت مبادئهم وآثارهم ومهنيتهم، إلا من حاد طمعا أو نكرانا.
نعرف جيدًا أن السعوديين كإعلاميين وكتاب ومحللين وصحفيين أو حتى «كمواطنيين صحفيين» هم الأكثر غلبة وحضوراً وتأثيراً، التأثير الإعلامي السعودي هو الأول عربيا، والكثافة لناحية المهنيين العاملين مقارنة بنسبة السكان -طبعا- هي الثانية بعد مصر!
في قطر، يبدو أن الوضع دائما مختلف في السيرة والقصة، الدوحة وظفت الآلاف من الخارج وبعقود مبالغ فيها، وهذا من حقها، وخلقت مستوطنات إعلامية لكل مناطق العالم العربي، وذهبت إلى الإعلام الدولي، وصرفت مليارات لشراء قناة متواضعة، أغلقتها بعد سنوات قليلة.
وقدمت نسخة إنجليزية تجاوز إنفاقها قناة الجزيرة العربية الباهظة التكاليف أصلا، وأسست قنوات أخرى في لندن ومواقع تخدم أهدافها مهما كانت قبيحة، وأضافت إلى ذلك إقحام الرياضة في السياسة لتسيطر على العقول والجماهير كما تأمل بخبث. صرفت عشرات المليارات، وهذا كله قراره.
لكن الملفت أن الدوحة وبكل هذه الاستثمارات والسنوات التي مرت عجزت أن تقدم مذيعاً قطرياً واحداً للوطن العربي، فيما عدد الإعلاميين القطريين اليوم بعد كل ذلك بالكاد أن يشغل مجلة أسبوعية. ولا تزال المؤسسات الإعلامية القطرية بكل إمكانياتها رهن أسوأ طبقة إعلامية.. أقصد «الشبيحة الإعلاميين» فقط، الذين أسقطوا ورقة التوت الأخيرة عن عوراتهم وزيفهم، وهم يدافعون ببسالة وغباء أيضا، عن فرصتهم الأخيرة مع الريال القطري!