إبراهيم عبدالله العمار
في هذا الزمن الذي يشوّه فيه الإعلام العالمي الإسلام، يثير التعجّب (والإعجاب) أن ترى أناساً منصفين من الأمم الأخرى، خاصة الغرب، ومنهم الكاتب مارك غراهام مؤلف كتاب «هكذا صنع الإسلام العالم الحديث»، والذي يقرّ فيه بإنجازات المسلمين العلمية التي يحاول الغرب تجاهلها أو طمسها قدر الاستطاعة (على ما في الغربيين من مزاعم التجرد والنزاهة العلمية)، ومن الأجزاء البارزة في الكتاب ما قاله المؤلف عن العالم الكبير الخوارزمي.
يقول مارك أن الخوارزمي أنقذ الغربيين من أرقامهم الصعبة، فالأرقام الرومانية ثقيلة وخرقاء ولا تصلح للاستخدام من ناحية عملية، فمثلاً الواحد هو حرف I والخمسة V وهكذا. إذا أردنا أن تكتب الرقم 1938 فهو MCMXXXVIII ! وتخيل شدة التعقيد إذا أردنا أن نضرب!! الخوارزمي كان مطلعاً على الرياضيات الهندية وأخذ منهم الأرقام التي يستخدمها الغربيون اليوم وأسموها الأرقام العربية عرفاناً نادراً بفضل المسلمين، وصارت الرياضيات أسهل تدريساً وأكثر انتشاراً بين العامة بعد أن كانت محصورة في قلة قليلة من المتخصصين الذين كان لديهم وقت كثير للتفرغ لهذه الأرقام المعقدة.
وضع الخوارزمي كتابه المعروف «حساب الجبر والمقابلة» والذي غير الرياضيات والتاريخ للأبد، وشرح فيه بعض أُسس علم الجبر الذي يتعامل مع الأرقام والمعادلات، ولا زال أثر هذا باقياً حتى في اللغات الغربية، فاسم هذا العلم باللغة الانغليزية algebra ونفس الكلمة (مع تنوّعات بسيطة) هي المستخدمة في اللغات الغربية الأخرى منها البلغارية والفرنسية والألمانية والإيطالية والرومانية. الخوارزمي لم يكتشف هذا العلم وإنما أتى من الهند، غير أن الخوارزمي هو الذي شهّره وقدمه للعالم الغربي بأسلوب واضح وبسيط، وتُرجم إلى اللاتينية بعد 300 سنة باسم Liber Algorismi، وكان أعجب ما فيه رقم جديد لم يعرفه الأوروبيون من قبل: الصفر. هذا الرقم غيّر علم الرياضيات وحل الكثير من مشاكلها، وفي اللغة الغربية صفر تعني فارغ، والكلمة الانغليزية زيرو مأخوذة من الكلمة العربية، وكذلك في الفرنسية والإسبانية.
تحية لمارك غراهام وللمنصفين.