سعود عبدالعزيز الجنيدل
هل هناك علاقة وارتباط بين التدقيق اللغوي والعمليات الجراحية!؟.
سؤال يبدو مثيراً للدهشة والاستغراب!
لا تقلق، هذه الحيرة سرعان ما تتلاشى بنهاية هذا المقال.
أعتقد من وجهة نظري، أن الكاتب أياً كان لا يستطيع تدقيق مادته بنفسه، سواء أكانت هذه المادة كتاباً أو مقالاً... حتى لو كان الكاتب مرجعاً في اللغة، وبحوزته أعلى الشهادات، ووصل إلى أرقى المناصب، وتتسابق إليه الجامعات في مناقشة كثير من رسائل طلابها، وتمنح له الجمعيات المختلفة عضوياتها، طمعاً في مكانته العلمية، والعملية.
ولو أخذنا في المقابل جرَّاحاً مشهوراً بعملياته الناجحة، ويهرول المرضى لعيادته، ولا يمانعون بالمكوث في قائمة الانتظار ردحاً من الزمن، طمعاً في إشرافه، وقبوله بالحالة المرضية، ومع هذا كله، فهذا الجراح قد لا يجري العملية الجراحية لأحد أبنائه أو بناته، بل يكلف بها أحد زملائه.
بهذه المقارنة يتبين أن الكاتب لا يستطيع المساس لغوياً بمادته، ويحيلها إلى الغير، وكذلك الحال بالنسبة للجرَّاح، الذي يحيل الحالات التي تتعلق بأسرته إلى غيره.
ولو حللنا هذه النتيجة، لتوصلنا إلى وجود علائق بينهما، فالكتابة أو التأليف عبارة عن جزء من الكاتب، ويقول النقاد «من ألَّف فقد استهدف»، وكأنَّ المؤلف يفتح عقله للقراء، لمعرفة ما لديه من أفكار، وتحليلات، وهو في هذا السياق أسير لأفكاره، ويحاول تطعيمها بما يسند ويقوي آراءه، ولا يركز، أو بمعنى أدق لا يستطيع العمل على جهتين في آنٍ واحد، الأفكار، والتدقيق اللغوي.
لذلك تجد كثيراً من المؤلفين المتخصصين في اللغة لا يدقق مؤلفاته بنفسه، ولو حاول عمل ذلك لكان التدقيق أعمى، فكل تركيزه مُنْصَبٌّ على الفكرة، ومحاولة ترجمتها لكلمات، بتسلسل منطقي يعالج القضية، متسلحاً بكل ما يملك من أدوات لتدعيمها.
وكأنَّ هذا التأليف كائن حي ينبض بالحياة، فالكاتب ينظر لمؤلفه، ويخاطبه، ويتعلق به، ولهذا ينصح النقاد بعرض المؤلفات للمتخصصين لغوياً قبل نشرها.
وبهذا التحليل تتضح العلاقة بين التدقيق اللغوي والعمليات الجراحية، وهي علاقة تتشابه وتتفق في الابتعاد عن التدخل سواء لغوياً أو جراحياً فيما يخص أعمال المؤلف للكاتب، والعمليات الجراحية للجرَّاح، وهذا الابتعاد نابع من عدم القدرة على المساس بما هو قطعة منهما.
وعلى الطرف الآخر يجري المؤلف، والجرَّاح أعمالهما بكل دقة وإتقان فيما يخص الآخرين، فالمؤلف اللغوي يستطيع تدقيق عشرات بل مئات المؤلفات، وكذلك الجراح، إلا أن هذه المهارة تتلاشى تماماً إذا كانت لمؤلَّف خاص بالمؤلِّف، أو لشخص قريب من الجرَّاح.
التأليف عبارة عن إطلاق كائن حي، جزء نابض بالحياة، يخشى عليه المؤلف، ويحنو عليه، ويعده أحد أبنائه، لذلك قد يتغاضى عن أخطائه اللغوية، أو لا يستطيع أن يراها.
هذه النتيجة توصلت إليها من خلال تجربة لا بأس بها، في مجال اللغة، وبعد سؤال أكثر من جراح في مجالهم الصحي، والذين أكدوا هذا الأمر، ولا أدري قد تتفقون أو تختلفون معي في هذه النتيجة، ما يهم هنا هو تقبل الرأي والرأي الآخر.