عبدالعزيز السماري
منذ استقلال المنطقة العربية بعد الحرب العالمية الأولي ثم إعلان دولة إسرائيل لاحقاً، والمنطقة تشتعل حروباً، ولم تتوقف، ولهذا السبب وأسباب أخرى تخلفت المنطقة العربية عن بقية العالم، فالبطالة والهجرة والإرهاب والاستبداد أهم أعراض هذه المرحلة.
لأسباب جيوسياسة هناك أيضاً من يدفع المنطقة للاشتعال في حروب لا تتوقف، ويساعد في ذلك حالة النرجسية التي يعيش فيها الإنسان العربي، وحالة التفرد والغطرسة التي يمارسها الزعيم بإطلاق في محيطه السياسي، بينما تخضع السياسه للتخطيط الإستراتيجي في العالم الآخر، وإلى الاستفادة من مراكز للدراسات لاحتواء الأزمات.
يشعر الزعيم العربي بعظمة وغرور عند اعتلائه منصة لإلقاء الخطاب، وقد كان جمال عبدالناصر خير مثال للزعيم الذي يهز الأرض ويمارس دور الحاكم بأمره بإطلاق، كان ينتظر أن تقدم له الشعوب العربية الولاء والطاعة، بينما كان خاوياً في الداخل ويعاني من الأمية السياسية في أبجديات بناء الدولة، ولم تحقق بلاده في عصره أيّ تقدم في التنمية والتطوير.
كذلك كان المشهد في العراق في زمن لاحق، فقد توهمت الشعوب العربية والمغلوب على أمرها أن النصر القادم لا محالة عندما يستعرض صدام حسين في المنصة بسلاح كلاشينكوف والسيجار الكوبي والزي الستاليني، لكن آمالهم تكسرت وكانت كغيرها مغامرة لم تدم، فقد انتحر سياسياً عندما وصل إلى مرحلة الجنون بالعظمة، ودخل في حرب مطولة مع إيران، كانت نهايتها مآساوية على الشعب العراقي والإيراني.
واصلت النرجسية السياسية حضورها الصاخب في دويلات العرب في زمن الجماهيرية الكبرى وفي حضرة القائد الملهم وملك ملوك إفريقيا معمر القذافي، وكانت مرحلة أقرب للسيرك السياسي على مسرح العرب العالمي، كان يملأ الدنيا أحاديثاً وخطباً، ووصل تحديه للعالم أن أعلن الحرب على الجميع، وكانت نهايته أقرب إلى مسرحيات الدمى المتحركة في أحد مهرجانات السيرك.
في جانب آخر تم فتح الباب على مصراعيه للتمدد الإيراني في الشرق العربي، وتوهم الزعيم في دمشق بشار الأسد أنها سيد المقاومة في خريف العرب عندما اعتلى منصب الزعيم المتفرد وحاكم الشرق العربي المتوج، وزعيم تيار الممانعة في وجه دولة العدو الصهيوني، بينما كانت في حقيقة الأمر تم استغلال نرجسيته لتغلغل الفارسي إلى عاصمة بني أمية العربية، والتي كانت يوماً ما تحكم العالم، ثم كان على موعد مع ثورة شعبية، تم دفعها لتتحول إلى حرب طائفية طاحنة، نتيجتها أرض عربية محروقة وشعب عربي مشرد.
لم يكن داء الغطرسة العربي خاصاً بالزعماء، فقد أظهرت الحركات الإسلامية المسيسة والجهادية أعراض خطيرة لداء جنون العظمة والنرجسية على الطريقة الإسلامية، فقد توهموا أنهم بأسلحتهم المتواضعة قادرون على تحقيق النصر العظيم على القوى العظمى، وكانوا من حيث لا يدرون أدوات لإيصال الفوضى المدمرة إلى أهدافها.
في الخليج العربي كانوا يفخرون يوماً أنهم يؤمنون بالمصير الواحد، وهدفهم الأسمى الاستقرار السياسي، ووسيلتهم الحكمة وهدفهم بناء مجتمعاتهم اقتصادياً، وتحقيق وسائل الرخاء، لكن داء النرجسية والغطرسة العربي انتقل إلى إليهم عبر الأثير، فتوهمت دولة في حجم قطر أن باستطاعتها القيام بدور الزعيم والمحرك السياسي في المنطقة العربية الكبرى.
وحدث ما حدث من زوبعة سياسية خطيرة، وقد تكون نذير شؤم عن المستقبل في المنطقة، وقد تحلق المنطقة العربية في الخليج ببقية الركب في مسرحية الفوضى التدميرية، ما لم تدرك قطر أهمية تقرير وحدة المصير، والابتعاد عن لعب دور الزعيم الوهمي للشرق العربي.
خلاصة الأمر أن داء النرجسية مرض عربي قديم، وربما تحول إلى طبع عند البعض، والسبب أنه يقوم على شعور مزيف بالعظمة والمجد التليد، لكن الحقيقة المؤلمة أن الحال العربية من الداخل ضعيفة ومتخلفة وهزيلة، بينما يتوهم الزعيم أنه يقود دولة عظمى، وقد تكون لها علاقة بسيكولوجية الثقافة العربية المشبعة بالغرور والتفرد ومفردات الزعامة في التاريخ القديم، فكانوا من خلال ذلك صيداً سهلاً لأعداء المنطقة والراغبين في السيطرة على ثرواتها.