د. أحمد الفراج
لم يعد سرا أن حكومة حمد بن خليفة القطرية لعبت أدوارا شريرة، منذ الانقلاب سيء الذكر، في منتصف تسعينات القرن الماضي، وكانت فضائية الجزيرة الاستخباراتية، التي جمعت خليطا من القومجيين والإسلامويين العرب، هي المنبر الذي يمثل سياسات حكومة قطر المتناقضة، ففي الوقت الذي كانت الدوحة ترتبط بعلاقات مع إسرائيل، ويقضي حمد بن جبر إجازاته هناك، كانت تؤوي قيادات حماس، المصنفة كمنظمة إرهابية من إسرائيل، وترتبط بعلاقات طيبة مع حزب الله، العدو المفترض لإسرائيل، وفي الوقت الذي كان المهرج فيصل القاسم يستضيف عتاة خصوم إسرائيل، وكانت الجزيرة تبث خطابات بن لادن، كان شمعون بيريز يتجول في أسواق الدوحة، ويزور قناة الجزيرة، في ظاهرة لم ولن يوجد لها مثيل في التاريخ الإنساني.
اعتمد حمد بن خليفة على هذه السياسات المتناقضة، وعلى وجود قاعدة العديد الأمريكية في الدوحة، ليعبث في محيطه الخليجي والعربي، وسواء كان يقوم بأدوار مرسومة، أو شذ عن الطريق، فإن المؤكد هو أنه تقمص دور الزعيم، وفاقت طموحاته حقيقة شخصيته السياسية، وحجم قطر الجغرافي، فوصل به الأمر درجة أن يخطط ضد المملكة، بيت العرب الكبير، وزعيمة العالم الإسلامي، في تسجيلات سمعها الجميع، ومع أنه تنحى عن السلطة مرغما، إلا أنه استمر يدير دفة قطر من وراء الستار، بل زاد في استفزازاته، ولم يرعوي عن غيه، رغم أن المملكة وبعض حلفائها سحبوا سفراءهم من الدوحة، قبل عدة سنوات، ومن الواضح أنه كان متيقنا أنه يستطيع مواصلة اللعب على كل الحبال، مستغلا حلم حكام المملكة، ولم يدرك أنه يتعامل مع المملكة، التي سبق لها أن انتهجت سياسات تخالف رغبة اللاعب العالمي الأكبر، اوباما أمريكا، ومضت في سياساتها رغما عن أنفه.
إنها المملكة التي لا تغضب، ولكنها عندما تفعل، لا يستطيع أي كان أن يقف في طريقها، وهذا ما أدركه حمد بن خليفة متأخرا، بعد أن قطعت المملكة علاقتها مع قطر، بمساندة مجموعة لا يستهان بها من الحلفاء، ويبدو أن جنون العظمة لدى حكام قطر أعماهم عن الحقائق التاريخية، التي ليست في صالحهم على الإطلاق، فقطر تبدو الآن معزولة، وتتخبط في ردود أفعالها، فمرة تتجه صوب إيران، خصم الخليج التاريخي، ومرة تهدد جيرانها بتركيا، وكأن ساستها لا يعلمون أن مثل هذه التصرفات الرعناء تعتبر خطوطا حمراء، ليس لدول الخليج وحسب، بل للمجتمع الدولي، وتحديدا أمريكا، التي لا يمكن أن تقبل بتواجد قوى إقليمية في هذه المنطقة الهامة من العالم، خصوصا في ظل وجود قاعدة أمريكية كبرى في قلب قطر، وطالما أن الأمر وصل إلى هذه الدرجة من التخبط، فإن الحل الوحيد الذي أراه ممكنا من خلال واقع الأحداث، منذ عشرين عاما ونيف، هو مغادرة حمد بن خليفة، وحمد بن جبر للمسرح السياسي القطري، وما دون ذلك لا أظن أنه سيكون مقبولا، فعندما تصل الأزمات إلى حدها الأقصى، لا يمكن أن ينجح إلا الحل الجذري، والذي هو استئصال أصل المشكلة، أي حمد بن خليفة ورفيق دربه، فهل يحدث ذلك لصالح منطقة الخليج ؟!. نتمنى ذلك!.