إن بناء القرارات الإستراتيجية ليس بالأمر السهل الذي يتصوره البعض وإن قيمة القرار الإستراتيجي تكون على قدر الحلول التلقائية التي يتوقع من القرار الإستراتيجي أن يوفرها في طريقه لتحقيق الهدف الرئيس من القرار، إننا في عصر تداخلت فيه الأمور واختلطت وكثرت فيه المسؤوليات وتنوعت وأصبحت الصبغة الجماهيرية لكثير من الأعمال ومن يقوم بها هي السائدة فلدينا مثلاً جيش من المعلمين ومثله من المعلمات ومن الأطباء والممرضين وغيرهم وجيوش من الطلبة والطالبات، وإن التعامل مع هذه الأعداد الهائلة وسياستها بالطريقة السليمة التي تحقق الهدف المنشود تتطلب قرارات إستراتيجية بامتياز، ولقد أصبحت القرارات غير الإستراتيجية سواء منها الفردية أو شبه الفردية أو ردة الفعل أو الارتجالية أو حتى التعسفية وغيرها هي أقرب للعبثية منها للتنظيم وحسن الإدارة وتكلف الكثير من الأموال والجهود ولا نتائج ملموسة على أرض الواقع، وإن أهم ما ينبغي أن يتصدر القرارات الإستراتيجية في مجتمعنا هو التعليم، ذلك المجال الذي إن صلح صلح المجتمع كله- بإذن الله- وإن فسد فسد المجتمع كله، وإن من القرارات التي - يرى مقدم هذا الاقتراح - أنها إستراتيجية بامتياز- أن تكون أسئلة الامتحانات النهائية للفصل الأول والثاني في المرحلة المتوسطة والثانوية مركزيه أي أن توضع من قبل مختصين في الوزارة وتصحح مركزيًا أو شبه مركزي وتعمم على جميع مدارس المملكة في فترة الامتحانات، ولئن كان هذا الخيار مكلفًا وصعبًا في زمن البريد الذي ينقل الأسئلة في زمان مضى فإنه أصبح سهلاً جدًا في زمن التقنية والإيميل الإلكتروني، ينبغي علينا إلا تخيفنا المركزية ولا نستهين بفكرتها لكونها كانت مطبقة في الماضي فربما فيها حل لكثير من إخفاقات التعليم لدينا وما يصلح لمجتمع قد لا ينفع لآخر والعكس بالعكس، فربما من المجتمعات ما لا ينفع لها إلا المركزية ومن المجتمعات ما لا يصلحها إلا اللا مركزية، فلنتأمل في هذه العجالة ماذا سيستفيد التعليم يا سادة من هذا القرار؟:
أولاً: سوف يحد بشكل أتوماتيكي من غياب المعلم خصوصًا إذا ربطت مستويات الطلاب النهائية بعلاوته السنوية وكفاءته التدريسية، بل ببقائه في مهنة التعليم المقدسة برمتها.
ثانيًا: سوف يريح المعلم المجتهد من وضع الأسئلة لتفريغه ومكافأته للاهتمام بمادته والإبداع في تقديمها لطلابه فقط دون عناء، وضح الأسئلة وتصحيحها ورصدها.
ثالثًا: سوف يحد من ظاهرة عدم إكمال شرح المناهج الدراسية عند بعض المعلمين، فلسان حال المعلم أو المعلمة يقول: لا بد من الشرح للمنهج كاملاً لأن واضع الأسئلة غيري وهي شاملة لكل الدروس.
رابعًا: سوف يعيد لكثير من المواد هيبتها من خلال أسئلتها الموضوعة بطريقة علمية شاملة لا مكان فيها للأسئلة السطحية التي سطحت في أذهان بعض الطلاب حتى قيمة هذه المواد ومكانتها وربما من يقوم بتدريسها.
خامسًا: سوف تحد هذه الظاهرة من غياب الطالب المستهتر في حضوره، فلماذا ينتظم وهو يعلم طبيعة الأسئلة فما هي إلا صح وخطأ أو املأ الفراغ أو وصل بين الجمل أو حتى ضع سؤالاً وأجب عليه ولا مانع من الاستعانة بصديق!
سادسًا: سوف يحد ذلك من استهتار الطالب بالمادة العلمية في حال حضوره، فهذه المرة لا بد من الفهم الحقيقي وليس السطحي أو المؤقت فالأسئلة حقيقية وتقيس بشكل جدي مدى استيعابه، تذكر بأسئلة مركز قياس التحصيلي.
سابعًا: سوف تحفز هذه الطريقة المعلم لتطوير ذاته في تخصصه وتعميق فهمه لما يشرحه من دروس ليواجه بذلك طلابًا يريدون فهمًا حقيقيًا لا سطحيًا، فإما أن يكون على قدر التحدي أو لا يكون {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأرض}.
ثامنًا: سوف يساعد ذلك القرار على استعادة المعلم لمكانته وهيبته عند الطلاب، فلا يمكن الإبداع في الشرح والتفاني في التوضيح لطالب لا يحترم معلمه، والطالب هو صاحب الحاجة وهو من سوف يخوض غمار الامتحان فلا بد من كسب ود ذلك المعلم واحترامه ليعطي أفضل ما عنده.
تاسعًا: سوف يحد هذا القرار من تسلط بعض واضعي الأسئلة التي تكون أسئلتهم أشبه بتصفية حسابات مع الطلاب وفيها يجدون فرصتهم في تنفيس ما لديهم من عقد نفسية يكون ضحيتها الطلاب أو الطالبات، ولعل المتحمسين لهذا القرار لديهم الرؤية المكتملة لجدوى هذه الاستراتيجية في المساهمة في حل مشكلة الإسكان، فهل يدرس هذا القرار - أقصد مركزية الأسئلة-؟ وهل يمكن ابتداءً اختباره من خلال تجربته في عينه من المدارس وفق بحث علمي مكتمل الأركان لنرى النتائج؟ نتمنى ذلك..
** **
- إدارة تعليم الرياض