«الجزيرة» - المحليات:
أكد الباحث الأكاديمي خالد الدوس المتخصص في القضايا الاجتماعية أن إطلاق المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف (اعتدال) الذي دشنه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان -حفظه الله- يعد خطوة تنويرية، ومبادرة حضارية حازمة تجمع دول العالم ضد آفة الفكر الضلالي ومكافحة التطرف والإرهاب، وأضاف قائلا: إن تأسيس هذا المركز الاعتدالي ببعده العالمي جاء كأمر حتمي فرضته متغيرات العصر وتحدياتها الثقافية.. للتصدي لمرض العصر (الإرهاب) الذي يستهدف الفكر والخيال والعاطفة والسلوك، ومحاولته التغلغل والتوغل في عقول الناشئة والشباب، وغسل أدمغتهم وتجنيدها واختطافها ليكونوا ضحايا للتفجيرات الدموية والعمليات الانتحارية، وبالتالي تصدير الأفكار المنحرفة والأعمال التكفيرية والآراء الهدامة دون وازع ديني أو ضابط أخلاقي، وهي تنظيمات متطرفة إلا ثقافة العنف والقتل واستهداف الأبرياء وزعزعة امن واستقرار المجتمعات والجناية على الأنفس والأموال والممتلكات العامة والخاصة، وأوضح الدوس قائلا: إن ظاهرة ألإرهاب ومن منظور (علم اجتماع الإرهاب).. ظاهرة مركبة وعملية معقدة تنم عن مرض نفسي وعقلي وفكري وثقافي واجتماعي.. لا تنتمي إلى دين أو عقيدة أو وطن، بل تهدد امن واستقرار المجتمعات البشرية في العالم.. إذا لم يُتصَدّ لها بحزم وعزم ووعي ، ومكافحتها بالأساليب العلمية، والتعاون الدولي في سبيل محاربة التطرف (فكريا وإعلاميا ورقميا وثقافيا) وتعزيز مبدأ التعايش والحوار بين الشعوب وتأصيل الأسس والمبادئ الإسلامية المعتدلة في العالم.
وشدد قائلا: إن الحياة الاجتماعية والدينية والاقتصادية والتربوية والإيديولوجية والنفسية لا تصلح بدون منهج وسطي أو ضابط اتزاني.. فالاعتدالية في الأمور الحياتية.. مطلب شرعي، وسلوك أخلاقي، ومظهر حضاري، ومنطلق إيماني.. وهي تعني التركيز على القيم الأخلاقية التي عني بها الإسلام، والموازنة بين الثوابت الشرعية ومتغيرات العصر، وفهم التكاليف والأعمال فهماً متوازناً يضعها في مرتبتها الشرعية، كما أنها - أي الوسطية - تؤدي إلى أداء حقوق الله سبحانه، وحقوق الناس بما يجسّد مبدأ العدل والتكامل والانسجام والتعاون وروح الإخاء.. فلا تقصير في الواجب، ولا هدر لحق.. ولا ظلم ولا صراع ولا تناحر ولا إفراط ولا شذوذ ولا تناقض في السلوك والممارسات الاجتماعية بين الناس..وزاد قائلا:إن القرآن الكريم ارشد في قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}.. إلى ظاهرة التوازن في الأشياء والأعمال والممارسات القائمة على وعي وجداني وقوة العزيمة والتمسك بالحق والتزام العمل الصالح الذي هو سمة المجتمع المتحضر. والوسطية في البناء الاجتماعي الإسلامي لا تعني إلغاء التعددية في النشاط الاجتماعي.. بل يعني التعايش وزن الأشياء بالميزان الصحيح في مجموعها وحتى في السلوكيات الفردية لا تغيب الوسطية التي تمنع المبالغة في كل الأمور، وهذا المنهج القويم - ومن منظور علم الاجتماع الإسلامي- يقوم على مبادئ الاعتدال والانسجام والسماحة والرحمة والتروي والعدل والحكمة.. ومجافاة التطرف والراديكالية والغلو والإقصائية والأفكار الإرهابية التي تخالف قواعد الضبط الاجتماعي والأخلاقي والديني.. وهي أفضل طريق لإرساء دعائم الاستقرار والسلم الاجتماعي، وضبط التوازن الأخلاقي في أي مجتمع من المجتمعات الإنسانية. مبيناً أن المنهج المحمدي (المتزن) كمفهوم وظيفي في التفكير والقيم والسلوك الإنساني في قالبه الحضاري.. يبرز أو يتجلى دوره في حياة الفرد والأسرة، إنه الطريق المفضي إلى الكمال الإنساني والرقي البشري.. وإلى أيضاً بناء المجتمع «إيديولوجيا وتربوياً ودينياً وثقافياً واجتماعياً واقتصادياً وسياسياً من دون إفراط أو تفريط وفق معادلة الوسطية التي تشكل صمام أمان للمجتمع ضد أمراض التطرف والتكفير وهجرة المجتمع والغلو في الدين أو التعصب في الأفكار والسلوك الإرهابي البغض والممارسات المناهضة لقواعد الضبط الاجتماعي والشرعي والقيمي.. التي متى ما اتسعت دائرتها المظلمة في أي مجتمع وسقط عمود الاعتدالية.. يتحول هذا المجتمع -كيميائياً- إلى بيئة خصبة للأمراض الاجتماعية الخطيرة، والمثالب الفكرية الفتاكة، والصراعات النفسية المعقدة، واختتم الدوس حديثه قائلا: إن مقومات ومعطيات هذا المركز العالمي (البشرية والمهنية والإعلامية) وما يتمتع به من تفوق تقني احترافي غير مسبوق في مضمار مكافحة الفكر الضلالي ولوثة الإرهاب عبر مواقع التواصل الاجتماعي والإعلام بصفة عامة.. ستساهم (منهجيا وعمليا) في التصدي للأنشطة الإرهابية ومكافحة فيروساتها الملوثة في عالمنا الافتراضي وفضائه المفتوح (وقائيا وعلاجيا وتوعويا) وبالتالي تحجيم خطورة الأيديولوجية المتطرفة.