فهد بن أحمد الصالح
كل حقبة تمر على المشهد الرياضي والشبابي نستشرف معها مستقبلاً مشرقًا وأحلامًا نتطلع إلى تحقيقها، وفي الختام لها نجد أن المحصلة أقل مما كنا نأمل بالرغم من تحقيق العديد من النتائج في كل الفترات التي مرت بنا, ولكن لا تزال الفترة التي كان يقودها صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن فهد -رحمه الله - هي الفترة الذهبية التي شملت كل الألعاب، وتجاوزتها إلى رسالة مختلفة، ما زلنا نطمح إلى أن تتنافس أنديتنا اليوم فيها، وهي الرسالة الثقافية والاجتماعية، وكان مع هوية كل نادٍ عبارة (رياضي, ثقافي, اجتماعي)، وأندية ذلك الزمان الجميل كانت حضنًا آمنًا للشباب، ومصدر ثقة للأسر على فلذات أكبادهم.. ومؤخرًا تحول الاهتمام عن الجانب الثقافي والاجتماعي بالكامل من قِبل الهيئة الرياضية، وتم التركيز على الجانب الرياضي فقط، ثم على لعبة واحدة، هي كرة القدم، وضاعت الأحلام، وتبدلت الأحوال، وأصبحت بيئة أغلب الأندية طاردة إلا للقليل أو لمحدودي التعليم وأبناء الأسر المحتاجة في الغالب طمعًا في النبوغ والحصول على عقد احترافي فلكي، يغني به نفسه وأسرته، وهو لا شك حق مشروع.. ولا يتجاوز عدد الأندية أصابع اليد التي تهتم بالجانب الثقافي والاجتماعي.
ولذلك فإننا نتطلع بعد أن أصبحت مرجعية الهيئة العامة للرياضة لمجلس الاقتصاد والتنمية إلى عصر جديد، لا يتراجع عن ركائزه الثلاث (الرياضية والاجتماعية والثقافية). ولا شك أن قصر مرجعيتها على المجلس، وبوجود رئيس لمجلس إدارتها الذي سيُرفع بالتعيين محافظًا أو رئيسًا تنفيذيًّا، سيجعل الأمر يخضع لمؤشرات أداء وجدول زمني وحساب دوري على النتائج، والالتزام بتصحيح الانحرافات. ويسبق ذلك خطة استراتيجية وأخرى تنفيذية. ولا شك أنه سيعاد دراسة المشهد الرياضي بكامله، وتقييمه، وتقييم اتحاداته ولجانه والعلاقة بينها وبين الهيئة وميزانياتها واستقلاليتها وصلاحيات الصرف المالي وتفعيل المحاكم الرياضية واللجان المتعلقة بالمشهد الرياضي ولها مساس بالسلوك داخل الملعب وخارجه؛ لكي يتحقق الانضباط الذي سيقودنا لتحقيق نتائج أفضل على كل المستويات. وأتطلع من معالي رئيس المجلس أن يدفع بقوة في التركيز على بعض الجوانب التي أفسدت الكثير من الجهود التي تُبذل، ويسرني الإشارة إلى بعضها للتذكير، وهي:
أولاً: سرعة إقرار العقوبات التي سبق إعلان اجتماعات ولجان عمل بشأنها، والمتعلقة بالتعصب الرياضي، التي صدر التوجيه بها من المقام السامي الكريم، وتقنين الجزاءات المصاحبة للأخطاء, وتفعيل المحكمة الإعلامية التي تنظر ما سمى بنشر الجرائم المعلوماتية، وعدم ترك وسائل التواصل الاجتماعي الحديث مطية لمن أراد الإساءة لأشخاص يختلف معهم بشخصه أو أسلوب تفكيره؛ وهذا جعل البيئة الرياضية طاردة للكفاءات التي تحرص على سمعتها ومالها ووقتها.
ثانيًا: العمل على تفعيل الاتفاقية المبهمة التي مضى عليها أكثر من عامين مع وزارة التعليم؛ لأن الرياضة مرتبطة بالشباب، والبناء المؤسسي فيهم سيمكِّننا غدًا من حصد نتائج أفضل, وفيهم نستطيع أن نزرع نبذ العنف والبعد عن التعصب، ونخلق معهم مخازن رياضية وطنية، ترتقي بالذائقة العامة، وتنعكس إيجابًا على متابعي الرياضة وممارسيها، مع الاهتمام والعناية بعطاء اتحاد الرياضة المدرسية واتحاد الجامعات السعودية الرياضي؛ لتكون موردًا مميزًا لمنتخباتنا وأنديتنا.
ثالثًا: إعادة تقييم المبادرات التي قُدمت من أجل تحقيق برنامج التحول الرياضي، وعددها 22 مبادرة، والمبلغ المرصود لها قليل جدًّا، لن يمكِّن الهيئة من تحقيها، وهو 27 مليار ريال، ويمكن إعادة الأولوية في التنفيذ مع التركيز على عدم التنفيذ المبتور لكل مبادرة؛ لأن النتائج في هذه الحالة ستكون دون المأمول, وتغليب المحاور الرئيسية التي وردت في رؤية المملكة 2030، وتسخير كل المبادرات لتحقيقها، والرصد المالي الكافي لتنفيذها، وحبذا الاستعانة ببيوت الخبرة وأهل الرأي.
رابعًا: حاجة الشباب عامة والرياضيين خاصة إلى زرع ثقافة المسؤولية الاجتماعية الفردية في الرياضي، والجماعية في الأندية والاتحادات, مع العمل على بناء القدوة الحسنة في كل المناشط التي لها علاقة بالرياضة والشباب. والواقع - لا شك - اليوم لا يسر، ونماذج القدوات تعدهم بسهولة، ولا ترى من الاستدامة والاستمرار للسمعة المتواترة للرياضيين السابقين، وهو واقع محزن، والحاجة فيه دائمة لوجود جمعيات أهلية تنموية، تحقق قيمة مضافة للرياضة بعد الاعتزال والعجز.
ختامًا: نثق بأن ثمة عصرًا جديدًا، سيكتب للرياضة السعودية، سيكون أكثر وضوحًا من السابق، وأكثر شفافية، وأكثر محاسبة.. والعبرة فيه لن تكون بالخواتيم، إنما بالنتائج؛ لأن انتظار الختام يجعلنا مكبلين بهموم وأوجاع وإحباطات عانينا منها كثيرًا.. وعلى الإعلام في الفترة القادمة مهمة مضاعفة في توطين الأنفس، وتهدئة الخلافات، وعدم تضخيمها، والبُعد عن الشخصنة في الطرح حتى وإن كانت الكتابة تمثل صاحبها، ولكن يجب أن يبعد كل ما يدعو ويقود للتعصب، ولا يدفع إلى السير الإيجابي في تحقيق النتائج, خاصة أن مجلس الاقتصاد والتنمية سيراقب كل النتائج والأعمال، وسيحاسب كثيرًا على الإخفاق طمعًا في عصر رياضي جديد وجدير بالاحترام والفخر به.