محمد آل الشيخ
السياسة والمقامرة ضدان لا يتفقان، وإن قامر السياسي وضرب معه الحظ مرة وحقق مراده، فلن تسلم الجرة في كل مرة. هذا المنطق الذي يثبت التاريخ صحة محتواه، هو ما (ورط) أمير قطر السابق حمد بن خليفة؛ تآمر على والده وانقلب عليه، ونكث العهد، وظن أن المؤامرة هي أسهل الطرق لتحقيق الطموحات. لذلك حوّل دولته الصغيرة، محدودة الإمكانات والتاريخ والجغرافيا، إلى خلية (مافيوية)، يسعى من خلالها إلى إسقاط الدول، وتغيير قياداتها بقيادات عميلة له، يستطيع من خلالها توجيهها كيفما شاء. وبقي يتربص بالدول العربية، وما إن لاحت الفرصة له في تونس مثلاً نتيجة للاضطرابات التي أعقبت إشعال فتي تونسي يافع النار في نفسه، حتى استغل هذه الحادثة، وأججها، وسلط منبره الإعلامي قناة الجزيرة الفضائية بتحريض التونسيين على الثورة، فأسقط فعلاً رئيسها ابن علي، على أمل أن حزب النهضة المتأسلم (الإخواني) سيستلم السلطة، وفعلاً استلمها برهة من الزمن، ثم فشل، وعاد إلى الصفوف الخلفية، وعاد حمد وفريقه بخفي حنين. وفي مصر تكررت المحاولة، وأسقط رئيسها حسني مبارك، وحكم - أيضاً - الإخوان المتأسلمون، فترة وجيزة من الزمن، لم تتعد سنة واحدة، ثم فشلوا فشلاً ذريعاً، فاضطر الجيش إلى التدخل وعزلهم، وعادت قطر مرة أخرى بخفي حنين. أما ليبيا فاستطاع حمد أن يثور الليبيين، ويسقط (صديقه) الرئيس القذافي، ولكن ليبيا تحوّلت إلى حرب أهلية، لا أرى لها نهاية تلوح في الأفق حتى اللحظة.
قبل أيام كشف المستشار في الديوان الملكي الأستاذ سعود القحطاني أن حمد، تآمر لاغتيال الملك عبد الله -رحمه الله-، مع القذافي، الذي ارتد عليه فيما بعد وقتله مع ميليشياته الليبية كما هو معروف. القصة رواها القحطاني، بالتفصيل في تغريدات له، غير أن عيون الأمن الساهرة كشفتها، وأحبطت المحاولة، وحينما تسرب التسجيل الشهير بين القذافي وبين حمد بن خليفة، وكذلك حمد بن جاسم، ولم يستطيعا هذه المرة الإنكار والتملص من المسؤولية، فتدخل الوسطاء، لحصار الأزمة، كي لا تطيح بمجلس التعاون الخليجي، ووصل المجتمعون، على أن يتخلى الأمير المتآمر (المقامر) عن السلطة، لابنه تميم، ويطرد حمد بن جاسم..
إلاّ أنّ حمد المتآمر، صاحب الشخصية الشيطانية، والعدوانية، ظل ممسكاً بالسلطة من خلف الكواليس، وكان قد رافق إصلاح فضيحة مؤامرة الحمدين، اتفاق وقع بين قطر ودول الخليج عام 2014 يقضي بتنفيذ شروط محددة وواضحة، غير أنّ قطر لم تلتزم بها، وظلت تمنح المتأسلمين ملاذاً آمناً، ومنصات إعلامية، وتدفع بسخاء للحركات المتأسلمة، السنية والشيعية، مستغلة أنّ الرئيس الأمريكي السابق كان مقتنعاً أنّ ما سمّاه (الإسلام السياسي المعتدل) لا بد وأن يُعطى الفرصة للوصول إلى السلطة، غير أنّ فشل الإسلام المعتدل، لأن يكون معتدلاً بالفعل، أثبت أنّ رهانات الرئيس أوباما كانت ضرباً من الأوهام.
ثم اتضح للخليجيين أنّ حمد بن خليفة مازال الآمر الناهي، والمتحكم في القرار القطري، ولم يكن تميم الذي تنازل له والده، إلا مجرد (خيال مآتة)، لا يهش ولا ينش، وأنّ التآمر على المملكة، وعلى الإمارات، وعلى البحرين، وكذلك على مصر، مستمر، وتنفق في سبيله الأموال بلا حساب.
ما تقدم يكشف لنا تاريخ الخليج، بشكل خاص، والعرب بشكل عام، بل والعالم أجمع، مع هذه الخلية السرطانية، التي تتحكم بالسلطة في الدوحة، لذلك أقولها بملء فمي، لن تنجح أي محاولة لإصلاح ذات البين في الخليج، والتخلص من الإرهاب، والإرهابيين، إلا بعلاج أصل الداء، والذي هو (حمد) وضع نقطة في نهاية السطر,
إلى اللقاء