د. جاسر الحربش
أخاطب اليوم أجيال الشباب التي لم تعرف أحلام الأجيال التي سبقتهم، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من يعيش هواجس الأيام. الوقائع كثيرة ومزعجة والهواجس مقلقة. كان هناك أمل في نهضة تجمع الشعوب المتحدثة بالعربية، بكل دياناتها ومذاهبها وأقلياتها لتدفعها من الخلف إلى الأمام، نحو الأمم التي عثرت بالفعل على طريق النهضة. هذا الأمل استنبته الآباء العرب الرواد بعد الحرب الثانية بين الدول الاستعمارية، وتشاركت في الاستنبات عقول وطنية كثيرة من عرب أفريقيا وآسيا ومن عرب السواحل والصحاري. مالذي حصل وقصف عمر ذلك الأمل؟.
الذي حصل هو أن حكام الأقاليم، زعماء الحكومات الإقليمية، لم يكونوا على المستوى المعرفي لشروط النهضة ولا على مستوى الالتزام بالمصلحة الجامعة. كل زعيم في دولة قطرية كان يقول شيئاً ويفعل عكس ما يقول ويركز على ما تحت يده. الوقائع تقول الآن ونحن في العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين، أن العرب في حالة مزرية أكثر من أي أمة أخرى. انقلب السحر على الساحر، وما كان يلعب به كل زعيم في الساحة العربية ضد الآخرين انقلب عليه في نهاية المطاف. الانعتاق من سيطرة المستعمرين المباشرة كان مجرد وهم. العقلية الاستعمارية ما زالت أذكى وأشد دهاءً وأكثر معرفة بما يجمع العرب وما يفرقهم.
شمل الخراب كامل الشمال العربي الآسيوي ومعظم الشمال العربي الأفريقي وجنوب الجزيرة العربية. الكيان الوحيد الذي كان يبدو متماسكاً ويومض بجذوة أمل، اتضح الآن أن السوسة كانت تنخر فيه من داخله. لصالح من ؟، بالطبع لصالح تلك القوى التي خربت ما سبق تخريبه.
لا أستطيع النوم ليلة واحدة دون أن تمضني الهواجس حول مستقبل الركن الغربي الجنوبي من الجغرافيا العربية أي مجلس التعاون واليمن. التقاذفات الإعلامية الحالية بين كتلتين في مجلس التعاون تتركز حول محاولة كل عضو إقناع الغرب وروسيا وإيران وتركيا بأنه هو الصديق المخلص، وجميعهم يعرف أن من ينشدون صداقتهم هم الذين يعملون على تفريقهم، والمسألة لا تحتاج إلى ذكاء أو تعليل، فهؤلاء هم الأعداء التاريخيون. إذاً ما هي هواجس ما قبل النوم التي تعتادني كل ليلة؟. بكل صراحة، إنها تتلخص في هذا السؤال: هل وقعنا دول مجلس التعاون في نفس الكماشة أو الفخ الذي نصبوه لمن سبقنا في الخراب؟. هل هناك أجندة خفية لإفقار كل المنطقة بمشتريات السلاح بهدف التدمير الذاتي المتبادل؟. من الآن وحتى يسيطر عقلاء المنطقة على عقليات الأنانيات يستمر المستقبل مرتهناً بين الوقائع والهواجس وكلاهما لا يبشر بخير.