خالد بن حمد المالك
الذي نعرفه أن الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني ليس ذا صفة رسمية منذ أن تنازل الشيخ حمد بن خليفة عن الإمارة لابنه تميم في إجراء غامض وأسباب لم تعرف حقيقتها حتى الآن، غير أن التطورات المتلاحقة في أزمة قطر مع أشقائها، ووقوع الدوحة في فخ الاتهام المؤكد في دعمها للإرهاب، أعادت وزير الخارجية السابق إلى الواجهة الإعلامية والسياسية، يدافع عن بلاده، وينفي أن تكون دولة قطر تمول الإرهاب، أو أنها تتعاون وتؤوي إرهابيين.
* *
فقد سارع الشيخ حمد مبكراً في طرق أبواب الإعلام، بعد أن توجس خيفة من أنه شخصياً قد يكون اسماً سميناً في قائمة المتآمرين على الدول المجاورة، المتدخلين في شؤونها، المخططين للتآمر على أنظمتها، بما في ذلك التآمر على قلب نظام الحكم فيها، كما فعل بالتعاون مع معمر القذافي، في توجه قطري - ليبي لتغيير نظام الحكم في المملكة بتسجيل صوتي له، ما لا يستطيع إنكاره، أو التهرب منه، أو عزله عن مجمل صور وأشكال المؤامرات القطرية الكثيرة ضد أشقائها.
* *
لكن محاولات حمد بن جاسم باستخدام الإعلام لا قيمة لها، ولا تلغي تصاعد الاحتجاج الدولي على سلوك قطر الإرهابي بحق الدول الأخرى، فالدلائل والقرائن والوثائق عن الإرهاب القطري، وعلاقة الدوحة به على مدى أكثر من عقدين، بتمويله وإيواء القادة الذين يوصفون بأنهم إرهابيون، وتوظيف الإعلام ليكون في خدمة هذا التوجه القطري الذي فجر الأزمة بين الدوحة وعواصم كل من المملكة والإمارات والبحرين ومصر، ما يعني أن ظهور حمد بن جاسم إعلامياً لا يعني شيئاً أمام الملاحقة الدولية المتوقعة لقطر والقوائم المتهمة بالإرهاب التي تقيم في قطر، وتخطط لعملياتها الإرهابية من الدوحة ضد عدد من الدول، بل حتى ما يسمى بالربيع العربي كانت قطر هي الممولة له بالمال والسلاح والداعمة له إعلامياً من خلال قناة الجزيرة.
* *
والشيخ حمد بن جاسم الذي خسر موقعه في حكومة قطر ضمن الصفقة الغامضة في تخلي الشيخ حمد بن خليفة عن الحكم لابنه الشيخ تميم، ينظر إليه حين كان وزيراً للخارجية ورئيساً لمجلس الوزراء على أنه المهندس لكل التوجهات القطرية المشبوهة، وأنه يتحمل نسبة كبيرة من المسؤولية بإقحام قطر في الصراعات والخلافات والفتن والإرهاب ضد الأشقاء في دول مجلس التعاون، وامتداداً إلى خلافاتها مع مصر وغيرها من الدول، في عمل لا يمكن فهمه، أو معرفة أسبابه، إلا أن يكون خارج الإرادة القطرية، وبتأثير قوي من إيران وإسرائيل والقوى غير القطرية الفاعلة في أرض قطر.
* *
فالشيخ حمد بن جاسم يعتقد أن ما كان يفعله حين كان وزيراً للخارجية وقد كانت الظروف آنذاك غيرها الآن، يستطيع أن يمد رجليه ويتصرف الآن كما كان يفعل من قبل حتى مع تغيُّر الظروف، غير مدرك بأن النار التي أشعلها والتي سيشعلها ستصل لكل من له دور في ذلك بما فيه شخصه، وأن الظهور الإعلامي وإن حسنّ صورته وصورة قطر لبعض الوقت، فإنه أمام الحقائق لن يستطيع أن يحسنها في كل الوقت، فالمعلومات والوثائق تتسرب بغزارة مدينة قطر بكل الجرائم، بعد أن وجدت المناخ والأجواء التي تحفّز على ظهورها، بأمل أن تكون آخر العمليات الجراحية للإرهاب القطري الذي آذانا كثيراً.
* *
في أحدث لقاء لحمد بن جاسم، تم نهاية الأسبوع الماضي، وكان مع برنامج تشارلي روز في قناة (بي بي إس) الأمريكية، يبدو لمن تابعه وكأنه لقاء من الأرشيف، فلا جديد فيه عما اعتدناه من الشيخ حمد حين كان في موقع المسؤولية، حيث النفي والمراوغة والتناقض وإظهار قطر على أنها مستهدفة، وأن الدول المجاورة تحاول أن تمس سيادتها، وتمنعها من أن تمارس حقها في اختيار من تتعاون معهم من الدول والمنظمات والأفراد، إلى ما إلى ذلك من محاولة للهروب من مسؤولية إدانة قطر في دعم الإرهاب، وإيذاء جيرانها، وإلى تنصل حمد نفسه مما يقال ويتهم به من أنه لاعب كبير في رسم السياسة القطرية المعادية للأمن والاستقرار في المنطقة.
* *
يقول شيخنا في لقائه مع (بي بي إس) أنه لا صحة لدعم قطر للإرهاب في عدد من العمليات الإرهابية في الدول العربية، مؤكداً عدم تدخل قطر في شؤونها الداخلية، وهو قول مردود عليه، وزاد على ذلك، بتأكيده دون خجل على دعم قطر لحكومة السيسي بعد إزاحة الجيش للإخوان، بل أضاف في كذبة كبيرة بأنّ الدوحة هي من ساندت النظام الحالي في مصر، وهو ما تكذبه المساندة غير العادية والحقيقية الموجهة من قناة الجزيرة القطرية لنشاط الجماعة حين حكموا مصر لمدة سنة، ثم بعد إزاحتهم من السلطة، فقد كان تهييج الشارع المصري للخروج على نظام السيسي من خلال الإعلام القطري المسيّس سبباً في الإرهاب الذي راح ضحيته الآلاف من المواطنين، والمدان في ذلك هي قطر وحماس.
* *
والغريب أن الشيخ حمد لا يجد حرجاً أيضاً من أن يقول إن قطر كانت مساندة للحكومة الجديدة في تونس، متجاهلاً دعمها المستمر للإخوان المسلمين هناك لإفشال أي استقرار يمكن أن يستظل به المواطن التونسي، مكرراً نفي الكلام نفسه عن الحالة الليبية، منكراً أي دور قطري مشبوه في الحرب الأهلية التي منعت أي بادرة لإحلال السلام في ليبيا، مع أن الدلائل وأحاديث الليبيين كلها تركز على أن سبب وصول ليبيا إلى ما يمكن أن يقال عنها بأنها دولة فاشلة، هي قطر التي تمول مالياً وتدعم إعلامياً وتساعد في وصول المرتزقة والسلاح إلى مواقع القتال والصراع في ليبيا، أي أن نفيه للدور القطري في زعزعة الاستقرار في كلٍّ من مصر وتونس وليبيا وغيرها لا يتفق مع الحقائق الدامغة.
* *
هذا هو إذاً حمد بن جاسم الذي لا يكتفي بذلك، وإنما يمضي مستخفاً بمواطنيه وبالآخرين بما لا يمكن تصديقه، فهو ينفض اليد القطرية، من التعاون مع (بن لادن) وحجته أنّ أسامة بن لادن هدد أي دولة تستضيف قوات أمريكية، لكنهم في قطر استقبلوا القوات الأمريكية، غير مكترثين بالتهديد، مضيفاً بأن الاتهامات التي وجهتها الدول الخليجية لدولة قطر لا تقف على أرضية صلبة، وأن بلاده ترفض المساس بسيادتها، أو التشكيك في نزاهتها، مطالباً الدول المقاطعة بتقديم أدلة حول ادعاءاتها بتمويل الإرهاب، وأن علاقات قطر مع إيران لا تعني أنها ضد دول مجلس التعاون، وهو بهذا يخلط الأوراق، كما أنه نسي محادثاته مع الرئيس الليبي السابق معمر القذافي، التي تم تسريبها بصوته، وهي أكبر دليل على إرهابية قطر، وكذلك ما أعلن عنه أخيراً الأستاذ سعود القحطاني من مؤامرة فاشلة لاستهداف حياة الملك عبدالله رحمه الله، أما علاقات قطر بإيران فلا شأن لدول الخليج بها، طالما أنها لا تمس أمن واستقرار هذه الدول، ولا تفضي إلى مؤامرات عليها، غير أنّ عليه أن يثبت ذلك.
* *
كلام كثير تحدث به شيخنا العزيز، فقد تساءل عن غياب القانون على ما أسماه وزعمه بمحاصرة الدول التي قطعت علاقاتها بقطر، وأنها قامت بمنع إمدادات الطعام وتمزيق الأسر، وهذه بكائيات ودموع واستعطاف جاءت لأن قطر فعلاً محاصرة، ولكن ليس لقطع الغذاء عن أهلنا هناك، وإنما محاصرة لوقف تصدير الإرهابيين من قطر، ومحاصرة أيضاً لمنع الإرهاب الذي هو صناعة قطرية بالدليل الثابت من الوصول إلى دولنا، ومثل هذا الكلام الذي يتفوّه به الشيخ حمد لا ينفي ضلوع الدوحة في كثير من العمليات الإرهابية، وتأثير الدور القطري في مجمل التطورات المتسارعة التي مست أمن واستقرار دولنا.
* *
يحاول الشيخ حمد أن يصور بلاده بأنها دولة متعاونة، وأن يدها ممدودة لأشقائها، وأنها تقبل بالحوار، وترحب بالوساطات، وأنها لن تتردد في الاعتراف بأي خطأ إن وجد وسوف يتم تصحيحه، وأن وساطة من الكويت وأمريكا ستبين أن الاتهامات الموجهة لقطر بلا أساس، يعني أن الرجل يعلن عن استعداد بلاده لتصحيح الأخطاء، ثم وقبل أن يختتم اللقاء، يقول إنها بلا أخطاء، يعني أن الرجل مع كل البراهين الدامغة، لا يجد حرجاً من الترحيب بالوساطات، والاستعداد للحوار، والقبول بأي مقترح، فهذه هي السياسة القطرية المعتادة حيث تتسم بالتناقض المريب في كل شيء، والبحث عن الثغرات لإيذاء جيرانها، دون النظر لأي اتفاق يحدد خطورة السياسة القطرية، فالانقلاب على التعهدات الملزمة هي سياسة قطر، والهروب من المسؤولية هو واقع قطري لا يمكن لحمد أن ينكره، وإن أنكره فيستحيل أن يصدقه غيره ومن يتناغم معه في هذا التوجه.
* *
وهروباً من المسؤولية، وللتأكيد على عدم جدية قطر في إيجاد مخرج ينقذها من التهم الثابتة المنسوبة لها في دعم الإرهاب، يقول الشيخ حمد بأن مجلس التعاون الخليجي مجمد وتفعيله هو المخرج لحل الأزمة، وقد لا يكون هناك اعتماد عليه في المستقبل، وأن تصرف خام الحرمين الشريفين غير العديد من الأمور لدى أعضاء مجلس التعاون، وأن لقطر الحق في انتهاج السياسة الخاصة بها طالما تتوافق مع القانون الدولي، يضيف: على أمريكا أن تقف على نفس المسافة من الجميع، وأنها ستسلك المنهج الصحيح للتعامل مع المسألة في نهاية المطاف، وما إلى ذلك من آراء تظهر أنّ وزير خارجية قطر السابق وكأنه مغيّب عن الحقائق، جاهلاً بالأسباب، ليس على علم بما يمكن أن يحدث لقطر إن لم تتخل عن دعم الإرهاب وتبنِّي الإرهابيين، بينما هو المحرك مع أمير قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة لكل ما وضع قطر من حيث التصنيف كدولة إرهابية.
* *
يختصر الوزير القطري السابق إنقاذ قطر مما يحاصرها من تهم في دعم الإرهاب بشيئين، المخرج الأول أن يفعّل دور مجلس التعاون الخليجي، لأن المجلس حالياً مجمّد، أما الأمر الثاني أن تقف الولايات المتحدة الأمريكية على نفس المسافة من الجميع كونها حليفاً لكل الأطراف، أي أن الشيخ حمد لا يتحدث عن مشكلة إرهاب قطر، ولا عن أسبابها، ولا عن المعالجة لها، وإنما يتهرب من الإجابة على السؤال لضيق مجال المناورة لديه، أو أنه ليس ذا علم بما يمكن أن تتورط به قطر مستقبلاً، إذا ما استمرت في المماطلة، والإصرار على مواقفها، بينما هي تمارس أفعالاً تؤذي بها جيرانها، بما فيها التآمر على قتل الملك عبدالله كما أفصح عن ذلك الأستاذ سعود القحطاني، أو التخطيط لقلب نظام الحكم في المملكة وتقسيم المملكة، كما وثقته المحادثات المسربة بين معمر القذافي وكل من الشيخ حمد بن خليفة والشيخ حمد بن جاسم، ربما أن الشيخ حمد يحتاج إلى مزيد من الوثائق التي تدينه وقطر أكثر، وعليه أن ينتظر، فهناك المزيد الذي سيوجعه إذا ما كُشف عنها.