«الجزيرة» – محمد المرزوقي:
ما يوم حليمة (الافتراضي) بسر في شبكات التواصل المجتمعي، لما أحدثته من هزات فكرية وثقافية تحولت تأثيراتها من افتراض شبكي إلكتروني، إلى مد من الواقع المجتمعي، في أقوى ما تكون حالات تأثير وسائل الاتصال، التي استطاعت أن تجعل من نسيج عنكبوتها الشبكي، أشد الشباك في تفتيت جماهيرها إلى «ذرات» ضمن مجتمعات انتقائية الاختيار، ميكانيكية الثقافة وآلية السلوك، ما جعل من هذه الوسائل اليوم من أقوى المنصات تأثير في شعوب العالم، التي أصبحت بفعل هذه الوسائل تسكن (غرفة) صغيرة، أثاثها التقنية، وحيطانها الرقمنة! إذ ازدادت حدة تأثيرات وسائل الاتصال عند «امتزجت» بوسائل الإعلام فيما يعرف في الدراسات الإعلامية بظاهرة (التزاوج) ما جعل منها قوة متكاملة في الأدوار، والرسالة، ومدى التأثير، ما مكّن لتأثيراتها المزيد من التنامي في مختلف المجالات الحياتية، بعد أن أصبح أغلب شعوب العالم تعيش عصر ما يعرف بالمجتمعات الصناعية التي تعد أول سماتها اعتماد الناس على الآلة في مختلف مناشط حياتهم اليومية.
ومنذ أن أطلق أمير قطر الشيخ تميم تصريحاته، التي تبعها موقفه من البيان الذي أعلنته المملكة والإمارات والبحرين ومصر، فقد تحولت شبكات التواصل الاجتماعي صوتا وصورة وكلمة، عبر حسابات وسائل التواصل، التي تحولت إلى منصات للتأجيج والشتائم والإشاعات والعنصرية القبيلية والطائفية في حرب إلكترونية تتداخل فيها الحسابات الوهمية بحسابات مزيفة بأخرى صحيحة لم تخل فئة منها من ضبط العواطف، ولم تجانب صوت العقل والمنطق، فيما اتخذ بعض أصحاب الحسابات المعروفة من مختلف دول الخليج العربية وعدد من البلدان العربية دور (الناصحين) لمختلف جماهير الشبكات، منبهين إلى ما تشهده خارطتنا العربية من فرقة وتمزق وشتات «ربيعي» فيما فضل آخرون عبر حساباتهم في تويتر والسنابشات خاصة أن يجعلوا من الشعر صوت يستعيد حكم زهير بن أبي سلمى، فيما اتجه آخرون إلى صوت الوعظ محذرين من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
كما لم تكن الدوامة الإلكترونية لتغيب عن أنظار المد الإرهابي أفرادا، ومنظمات، ومنصات إلكترونية مجيّشة على مدار الساعة، ما جعلها في أوج نشاطها الإلكتروني الذي وجد من الأزمة القطرية قبسا لإشعال المزيد من الحسابات الوهمي منها وغير الوهمي لتأجيج المتابعين لتلك الحسابات بمختلف أشكال الدسائس والزيف والطائفية والشعوبية التي لم تخل من مقاطع المرتزقة على موائد أنظمة عربية بائدة، أو أخرى متآمرة، إلى جانب ما حرصت على تسويقه من مشاهد وصور مزيفة ومؤدلجة وتسجيلات صوتية وأخرى تلفزيونية منها الغث ومنها المنتحل لإلصاقها بأركان البيت الخليجي خاصة والعربي عموما، إلى جانب ما استغلته خفافيش الظل من التسويق لجماعاتها الإرهابية ببث سموم فتاواهم المحرضة على الأنظمة الحاكمة العربية دون استثناء، فيما حلقت مئات الآلاف من العصافير السوداء متدثرة بريش جماعاتها الإجرامية والإرهابية، التي وجدت من الحراك الذي شهدته شبكات التواصل الاجتماعي خليجيا وعربيا فضاء رحبا للتحليق في أجوائه الإلكترونية، التي كانت تفتعل كل شيء، وتتناقل كل شيء.. إلا الحقيقية!