«الجزيرة» - أحمد المغلوث:
يميل البعض منا خصوصا الكبار الذين عاشوا الماضي ومظاهره التراثية الجميلة التي لا يمكن أن تنسى أن يتذكروا العديد من تلك المظاهر والعادات التي كانت سائدة خلال شهر رمضان المبارك الذي بات يسارع الخطى ليتركنا بعد أيام مشبعة بالإيمان وروحانيته وقدسيته. ومن هذه المظاهر الخالدة في الذاكرة.
(أبو طبيلة) المعروف في شرق المملكة والخليج أو المسحراتي كما هو معروف في العديد من الدول العربية.. وهي مهنة سنوية يمارسها أشخاص بعضهم توارثها أبا عن جد.
وتاريخيا يعود مع بداية الإسلام وصوم شهر رمضان فتشير كتب التاريخ إلى أن مؤذن الرسول اللهم صل وسلم عليه «بلال بن رباح» كان من أوائل الذين قاموا بممارسة عمل «المسحراتي» حيث كان يقوم بإيقاظ النائمين لموعد تناول طعام السحور ومن ثم صلاة الفجر.. وحسب معايشة كاتب هذه «الإطلالة» ومشاهدته لأبو طبيلة وهو يدور في أزقة وطرق وحواري مدينته وهو ينادي على كل صاحب بيت باسمه مرددا: اصحى يا نايم وحد الدائم. وباتت شخصية أبوطبيلة شخصية معروفة في المدينة.
أو البلدة وحتى القرية.
ويحظى آخر رمضان بالهدايا والإكراميات وحتى الكسوة له ولأفراد أسرته. وفي المدن الكبرى يوجد أكثر من مسحراتي بل هناك «بو طبيلة» تقريبا لكل حي فمثلا في مدينة المبرز تجد لكل حي بوطبيلة واحد لحي السياسب وكذلك للعيوني، والمقابل، والشعبة، إلخ.. والجميل أن هذه الشخصية الرمضانية المحبوبة التي يتراكض خلفها الأطفال بل بعضهم يردد معه ما يقوله. وهم يعيشون مشاعر الفرح والبهجة والسعادة.
ومع الأيام والتطور الحياتي ومواصلة الناس للسهر فهم باتوا يواصلون يقظتهم حتى أذان الفجر وبالتالي ليسوا بحاجة لأبوطبيلة أو مدفع الإمساك كما كان في الماضي، إلا أن أبوطبيلة المسحراتي يعود لنا في مشاهد الأفلام أو بعض المسلسلات الدرامية أو الأفلام الوثائقية أو من خلال المهرجانات والفعاليات التي تقام في بعض ليالي رمضان.
وفي التاريخ القديم للدول الخلافة الإسلامية كان يوجد المسحراتي الذي يقوم بإيقاظ الخلفاء والحكام ويردد بعض الأهازيج بل ويصحب معه أفراد كفريق. وكان عتبة بن إسحق والي مصر أيام الفتح الإسلامي كان يخرج بنفسه في مدينة «الفسطاط» لتسحير الناس.
وفي عهد الملك الناصر ظهر في مصر أول «سحار» محترف يدعى «أبو نقظة» الذي اختص بتسحير الملك الناصر... هذا ومع انتشار التلفزيون كانت بعض التلفزيونات العربية تقوم بإعادة مشاهد للمسحراتي وهيردد كلماته وعباراته المحببة.
ومن أشهر من حظي بذلك ما قام به الشاعر فؤاد حداد والموسيقار سيد مكاوي الذي مزج فن التسحير بالوعظ والإرشاد في حب الوطن حينما قال: «كل حتة من بلدي حتة من كبدي حتة من موال.
وانا صنعتي مسحراتي في البلد جوال» وماذا بعد كان لأبو طبيلة حضوره الجذاب والمحبب إلى النفوس. فهو شخصية ترتبط بطقوس ومظاهر شهر رمضان المبارك لأن السحور سنة نبوية شريفة.
لا يقتصر الهدف منها على دعم صمود الصائمين بتناول الطعام قبيل الإمساك، بل يرمي إلى إحياء مناخ من الأدعية والتسابيح تمهيداً لصلاة الفجر.. اللهم بارك لنا في شهر الخير والبركة..