كثير من الحيرة والدهشة والاستغراب يحيط بمن يفكر فيما آل إليه حالنا نحن العرب في هذه الأيام، ففي الوقت الذي تتكالب فيه المؤامرات من حولنا، وتحيط الأخطار بنا، وفي الوقت الذي يتحتم علينا فيه جميعاً أن نتوحّد لمواجهة ما نشاهده من أحوال خطيرة تعيشها شعوب دول عربية عديدة، لعب أعداء الأمة بأمنها، وأفقدوها استقرارها، وجعلوا الاقتتال والتطاحن يسيطران عليها؛ وفي الوقت الذي أصبح واضحًا لنا -من غير مواربة أو مداراة- أن أعداء هذه الأمة يحرصون كلَّ الحرص على صناعة واقعٍ عربيٍّ أليم، يضيع معه مستقبل العرب وتتلاشى فيه كيانات دول عربية، ليحل مكانها جماعات متناحرة متقاتلة.
وفي هذا الوقت الذي تشتد فيه المؤامرات، لتحقيق مآرب دنيئة وأحقاد دفينة لتفتيت الكيان العربي تزداد الدهشة ويتعمَّق لدينا الاستغراب، وتزداد الحيرة حين نشاهد أن بعض مَن ينتسبون لهذه الأمة -من الأشقاء- يتم تسخيرهم لتحقيق تلك المآرب، فإذا بهم يغردون خارج السِّرب العربي، بل ويذهبون أبعد من ذلك فيصبحون جزءًا من التآمر، فيضعون أيديهم في أيدي أعداء الأمة، ويسخّرون أموالهم لتمويل المزيد من التخريب والتدمير والإرهاب، ويجمعون فوق أرضهم أولئك الذين لا يشك عاقل في أنهم يقفون وراء بث ونشر الفكر المتطرف، الداعم للإرهاب والساعي لبث الفتن داخل الدول العربية في محاولة لزعزعة استقرارها والعبث بأمنها، ولا يقفون عند هذا الحد بل يسخِّرون في العلن والخفاء إعلامَهم البغيض، وأبواقَ دعاياتهم المضللة لبثّ السموم ونشر الأكاذيب والتحريض على الخروج عن الُّلحمة الوطنية، والعمل على زعزعة الأمن والأمان في دول العالم العربي، التي صمدت أمام محاولات الأعداء للنيل من تماسكها ووحدتها، والتفاف أبنائها حول قياداتها المخلصة.
أقول إن هذه الظروف التي يعيشها وطننا العربي -وخاصة في منطقتنا الخليجية وبعض الدول العربية الشقيقة- وتلك المحاولات المستميتة لأعداء المملكة بصفة خاصة، تحتاج إلى موقفٍ عربي حاسم بعد أن أصبحت تلك المحاولات واضحة وضوح الشمس في كبد السماء، وبعد أن أعلن أعداء الأمة عن أهدافهم ومساعيهم، وصار بعض أبناء جلدتنا أداةً طيّعة في أيديهم، فلم يلتزموا بالعهود، ولم يحفظوا شرف الكلمة، وتمادوا في غيّهم، ولم يعد غير الحسم طريقًا للمواجهة، ولم يعد غير الوضوح والمصارحة سبيلاً للخروج من هذه الأزمة، حتى يعود الأخ الشقيق إلى رُشده، ويكفَّ عن أفعاله المشينة التي يمارسها الآن في العلن والخفاء، وحتى يدرك هذا الشقيق سوء تصرفاته وأفعاله، وما ينتج عنها من آثار سيئة تفتُّ في عضد الأمة، وتسعى جاهدة للنيل من استقرار بلدان العرب، وسيادتها وأمنها.
إن الواقع الذي أوصلتنا إليه تصرفات مَن يغردون خارج السرب العربي، ويعلنون عن أنفسهم بوقوفهم في معسكر أعداء الأمة، بل ويستقوون بمن يظنون أنهم قادرون على حمايتهم من غضبة مُضرية تَعوَّد عليها أبناء العرب عبر تاريخهم الطويل الذي يسجل لهم تضامنهم عندما تحدق بهم الأخطار، ويشهد لهم بتكاتفهم عندما يتعلق الأمر بمصير الأمة ومستقبلها، وهذا هو ديدن العرب على مرِّ العصور.
أقول إن هذا الواقع يجعل من الواجب علينا جميعًا أن نؤكّد أنه قد آن الأوان لموقف عربي حاسم، يتجمع فيه العرب جميعًا لوضع الأمور في نصابها الصحيح، بعد أن ضلَّ الشقيق الطريق، وأصبح كثير من قادة العالم يشهدون بأن له تاريخًا معروفًا في دعم الإرهاب، ونشر الفكر المتطرف والعبث بمصير الشعوب. إننا الآن في حاجة إلى صوت العقل العربي الذي لا يعرف الصمت أو السكوت أو الوقوف على الحياد فالموقف جدُّ خطير، والمؤامرة حول أمتنا العربية باتت مكشوفة الأهداف، وواضحة المعالم، ومعروفة المصادر، فإلى متى لا يكون الموقف العربي موحَّدًا إزاء الشقيق وإزاء الصديق، ونحو مواجهة أعداء الأمة؟.
إن أمتنا العربية في حاجة إلى موقف موحَّد، في ظلِّ هذا الواقع الذي لا يتحمَّل أنصاف الحلول، ولا الغموض في التوجّهات ولا التلاعب في المواقف، ولا الحياد الذي لم يعد ممكنًا أومقبولاً، وإذا أردنا المواجهة الحاسمة فلنبتعد عن الحلول التي لا تحسم الأمور والتي لا تضع العلاج الناجع الذي لا يترك للمرض بقايا في جسم الأمة، نحن في أمسِّ الحاجة لذلك في ظل جسامة المؤامرة التي تواجهها أمتنا اليوم.
فهل آن الأوان لموقف موحّد يجتمع حوله أبناء أمتنا العربية، ليلقنوا أعداء الأمة دروسًا جديدة تُضاف إلى تاريخ العرب ومسيرتهم في مواجهة المؤامرات والأزمات التي تمسُّ كيانهم أو تعتدي على هويتهم؟.
إننا نثق أن ذلك أصبح الآن ممكنًا عن أي وقت مضى، وهو ما ستكشف عنه الأيام القادمة، في ظل حكمة وقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وإخوانه قادة الدول العربية والصديقة، الذي تعاهدوا في الرياض على مكافحة الفكر المتطرف ومحاربة الإرهاب في شتَّى صوره ومختلف وسائله. حفظ الله بلادنا ووفق قيادتنا لكل الخير والفلاح.
** **
- وكيل الوزارة بوزارة الثقافة والإعلام سابقاً