د. حمزة السالم
الولاية العامة هي اجتماع مسؤوليات الدولة، الداخلية والخارجية، بيد شخص واحد، ويكون بيده القرار النهائي النافذ، رضى الناس به أو سخطوا. فكم سخط بعض من كبار صحابة رسول الله على قرارات الفاروق ولم يرضوا بها، ولكنهم لم يتجرؤا عليه، فاعتز حال المسلمين جميعا، ورهبتهم الأعداء في الخارج والداخل. فلما تُجرئ على ذي النورين أمير المؤمنين عثمان وتُجُمهِر عليه، لسخط على قرارات اتخذها، استخف أعداء الأمة بها، فاستخفوا سفهائها، فوضع الله السيف بين أصحاب رسول الله بعضهم ببعض، وبين المسلمين من بعدهم بعضهم ببعض إلى اليوم.
والأحاديث النبوية ليس فيها حديث واحد يدل على وجوب تعيين خليفة أو حاكما واحدا لجميع المسلمين. فكل الأحاديث الواردة عنه عليه السلام أحاديث عامة في وجوب طاعة من تولى أمر الولاية العامة وفي وجوب توفر شخص واحد معين مسؤول عن القيام بالولاية العامة في المجتمع الإسلامي. فلو تعددت مجتمعات المسلمين فتعددت الولايات العامة فيها وقام بها من غلب عليها، فليس في الأحاديث أي إشارة لكراهة تعدد الولايات العامة، فضلا على أن يكون فيها دليل على حرمتها أو وجوب قيام خلافة واحدة. فالله أعلم بانتشار دينه واستحالة اجتماع عباده، وهذا الذي حصل ونصف القرن الأول لم ينقضِ، وهو خير القرون قاطبة.
فدعوى الوجوب الشرعي في وجود خلافة عامة تشمل جميع ديار المسلمين، هي دعوى لا أصل لها من نص شرعي، ولا مُستند من فعل الصحابة ولا حتى قول لأحد من أئمة فقهاء المسلمين، ولا شاهد من تطبيق عملي. وهذا من إعجاز النبوة. فقد أثبت التطبيق العملي لأربعة عشر قرنا شبه استحالة ذلك. فلم تستقم قط ولاية عامة شملت جميع المسلمين إلا لأبي بكر وعمر وعثمان وعمر بن عبد العزيز.
فقد تزامن خليفتان من كبار الصحابة ومن صغارهم في مرحلتين متتابعتين. فتزامن علي ثم الحسن مع معاوية رضي الله عنهم. كما تزامنت خلافة عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما ثمان سنوات مع خلافة مروان وابنه عبد الملك.
وقد تزامنت خلافة العباسيين مع خلافة الأمويين في الأندلس منذ البداية وخلافة الأدارسة في المغرب، ثم مع خلافة الفاطميين التي امتدت من بلاد المغرب العربي حتى ضمت الحجاز بما فيه مكة والمدينة. وأما الممالك والأمارات فحدث عنها ولا حرج، وهي التي كان الفضل في الذود عن ثغور الإسلام واسترداد ما أضاعته الخلافة من بلاد المسلمين.
ولذا فالأحاديث حسب الفهم الصحيح تدل على تعدد الولايات العامة. فقد دلت الأحاديث على وجوب تعلق بيعة في عنق كل فرد من أفراد أي مجتمع مسلم، لأي شخص يتولى مسئولية الولاية العامة، باختيار أو بغلبة.
والمواطنة أو الجنسية، اليوم للدولة هي البيعة، ومن لم يعتبرها كذلك فعليه أن يصرح بعدم بيعته، ولا حُجة له عند الله إلا بذلك. فالأصل أن كل من سكن الديار وانتسب إليها فهو قد أعطى البيعة، إلا أن يصرح بخلافها. وقد كان أصحاب رسول الله يصرحون بعدم بيعتهم في حال غلبة من لا يرضونه أميرا عليهم، وأُجبر بعضهم عليها، فالتزم بها وقام بحقها.