د. علي بن صالح الخبتي
ما يثير الاستغراب حقيقة أن يأتي على بلادنا عمالة ثقافتها وتعليمها متدنٍ.. ولا يجيدون الاتصال ومع ذلك يبدؤون بأعمال تدر عليهم مبالغ طائلة أثبتتها تحويلاتهم التي تنشر بين حين وآخر.. نستغرب أن جميع العالم يستثمر في بلادنا في دلالة واضحة على وجود بيئة استثمارية جيدة.. في نفس الوقت وفي ظل ذلك كله نجد نسبة البطالة بين السعوديين عالية.. أين المشكلة إذن؟ المشكلة في ظني وجود نظرة ضيقة لدى شبابنا بحيث إما الوظيفة وإما البطالة.. خياران صعبان.. وحتى لا اتهم بالجهل أعرف أن القطاع الخاص مقصر بشكل كبير في المساهمة في حل مشكلة البطالة لكنني قبل أن أناقش هذا الأمر دعوني أطرح قضية مهمة تستحق التفكير والتنفيذ.. هذه القضية هي العمل على تحويل تفكير شبابنا من ثقافة الوظيفة إلى ثقافة الاستثمار.. هناك جهود تبذل في هذا الجانب لكنها ليست كافية.. المجتمع بكل فئاته يجب أن يتضافر في تكريس هذه الثقافة بدءًا من البيت فالمدرسة فالجامعة فالجهات المسؤولة ومنابر المساجد في حملة مستمرة لا تتوقف ضمن خطة يتم إعدادها وتحول إلى برنامج عمل حتى تصل الرسالة واضحة وبصوت عالٍ إلى كل شاب.. اقترح أن تتولى جهات التوظيف بمشاركة وزارة التعليم ومؤسسات الإعلام والتدريب في الإعداد لهذه الخطة وتنفيذها حتى نتأكَّد أن هذه الثقافة موجودة على أرض الواقع في بلادنا ومنتشرة بين أفراد مجتمعنا.. ثقافة الاستثمار لا تحتاج إلا لخطة ناجحة وبرنامج عمل دقيق يتم تنفيذه والاستمرار فيه.. الاستثمار في بلادنا ناجح في مجالات كثيرة في بلادنا.. أليس شبابنا أحق بها؟ إذن لماذا لم يكن شبابنا هم المنخرطون في هذه الأعمال؟ سؤال كبير ومحير يجب الإجابة عنه ضمن الإعداد للخطة والبرنامج اللذين اقترحتهما.. نحن لا نفهم أن يكون لدينا الملايين من الوافدين الذين يستثمرون في بلادنا ويحولون عشرات المليارات كل عام وفي بلادنا بطالة.. هناك خلل ما في مكان ما يجب التعامل معه وإيجاد الحل الجذري له.. كثير من تلك الأعمال تتناسب مع كل فئات المجتمع.. وحتى الأعمال الفنية مثل السباكة والكهرباء وأعمال تشطيب المباني يمكن استثمار شبابنا فيها فهي أعمال نظيفة وتدر مبالغ ضخمة.. في تجربة شخصية، وقد يكون بعضكم يمر بها، عندما أطلب السباك أو الكهربائي في أكثر الأحوال يضعوني على هامش وقتهم خصوصًا إذا طلبتهم لأمر طارئ وعاجل فيأتونني في وقت متأخر من الليل في دلالة على أنهم يجدون عملاطوال اليوم يدر عليهم مبالغ ضخمة تعادل رواتب عدد من الموظفين في الوظائف التي يبحث عنها شبابنا.. قد يلجأ الشباب إلى الاستثمار في هذه المجالات بحيث لا يعملون بأنفسهم بل يؤسسون مكاتب تؤدي الخدمة عن طريق عمالة مدربة تتبع لمكاتبهم.. نحتاج هنا في إعداد الخطة أن نعمل أمرين هما:
أولاً: نعد قائمة بالأعمال التي يقوم بها الوافدون وأنواعها كبيرة كانت أو صغيرة بهدف وضع خيارات عديدة أمام شبابنا..
ثانيًا: تشارك الجهات المشاركة في إعداد وثيقة تتضمن نقاط إقناع يتم بثها في التعليم وعبر وسائل الإعلام ومنابر المساجد لبث ثقافة الاستثمار بدلاً من ثقافة الوظيفة بين الشباب.. يتم استخدام قائمة الأعمال التي تم إعدادها بعناية.. وهنا يجب الوقوف بقوة أمام صدود القطاع الخاص الذي ثبت تقاعسه أمام مشكلة البطالة لدينا.. في كل بلاد الدنيا لا يمكن للحكومات أن تحل مشكلات المجتمعات دون مشاركة فاعلة من القطاع الخاص.. أطلب فقط الدخول إلى عدد من المؤسسات الكبيرة في بلادنا والتعرف على نسبة الوظائف المناسبة فيها التي يمكن إحلال شبابنا فيها.. أطلب أيضًا حصر الأعمال المناسبة في بلادنا التي يمكن إحلال شبابنا فيها.. هنا سنجد أننا سنقوم بكل تأكيد إلى خفض نسبة البطالة إلى مستوى متدنٍ إن لم يكن إلى الصفر.. لا نطالب شبابنا بأن يتم إحلالهم في بعض الأعمال المتدنية.. هذا ليس القصد.. القصد هو أن هناك أعمالاً كثيرة يمكن إحلالهم فيها بخطة مدروسة تشارك فيها قطاعات مسؤولة عن التوظيف إضافة إلى قطاعات التعليم والتدريب.. نحتاج أيضًا إلى التكريس لهذه الخطة.. نحتاج أيضًا إلى الاستمرار فيها وتقويمها والتعامل مع نقاط ضعفها في الطريق.. نحتاج أيضًا إلى مساهمة فاعلة من القطاع الخاص.. وإلى جهة رقابية تحاسب المقصرين والمتخاذلين من القطاعين العام والخاص حتى من الشباب الذين لا يستجيبون للبرامج الناجحة التي يتم إعدادها بعناية.. أقول محاسبة الشباب لأننا سمعنا من خلال تجربة مشروع الجوالات أن هناك شبابًا تدربوا وأخذوا قروضًا ولم يستمروا في العمل.. لا أعرف هل هناك مشكلة في البرنامج أم تخاذل من الشباب.. لهذا أدعو إلى تقويم ومراقبة ومحاسبة بعد التأكَّد من سلامة الخطة وبرنامج العمل وبعد أن نعمل على بثه والتعريف به والإقناع بجدواه من خلال قنوات التعليم والإعلام ومنابر المساجد.. وخلاصة القول، إن ثقافة الوظيفة مسيطرة على عقول شبابنا وأولياء أمورهم من خلال الإصرار على التوظيف بعد التخرج في الوقت الذي تزخر فيه بلادنا بأعمال ومجالات استثمار كثيرة جدًا استحلها الوافدون تاركين شبابنا لمشكلة البطالة غير المبررة.. وفي الوقت الذي يتقاعس قطاعنا الخاص عن القيام بدوره كما ينبغي للمساهمة الفاعلة وبالمستوى المطلوب لحل مشكلة البطالة.. هناك جهود لبث ثقافة الاستثمار لكنها ليست كافية.. وهناك مساهمات من القطاع الخاص لكنها دون المستوى.. الحل؟لحل هو في بث ثقافة الاستثمار بخطة محكمة يتم تحويلها إلى برنامج عمل يتم تنفيذه من قبل جهات محددة برقابة محكمة ومحاسبية لا تقبل التنازل.. في بلادنا نملك الأرضية الخصبة لبث ثقافة الاستثمار بين شبابنا بدلاً من ثقافة الوظيفة.. ونملك الأدوات.. فهل نبدأ أرجو من خلال منبر جريدة الجزيرة أن يجد هذا المقترح الأذن الصاغية لحل مشكلة كبيرة يترتب عليها مشكلات كبيرة وعديدة بين شبابنا وشاباتنا..