م. خالد إبراهيم الحجي
إن صدور الأمر الملكي بتعيين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان وليّاً للعهد ونائباً لرئيس مجلس الوزراء ينطلق من ثلاثة جوانب رئيسة هي: اختيار الرجل المناسب لتكليفه بالعمل في المكان المناسب في الوقت المناسب؛ لأن هذه الجوانب الرئيسة من أهم عوامل النجاح في إدارة المؤسسات المختلفة ونجاح قيادة الدول وأنظمتها على مدار تاريخ البشرية، فبالنسبة للجانب الأول: وهو اختيار الرجل المناسب الذي يهدف إلى تحقيق التنمية والازدهار للدولة، وتحقيق هذا الجانب لم يكن ممكناً لولا فراسة الملك سلمان التي جعلته قادراً على قراءة الملامح الدالة على الأقدر والأفضل والجديرين بالثقة لاستخلاص الرجال المناسبين للاستفادة منهم في إدارة المناصب القيادية المختلفة بالدولة؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قد قال في حديث نبوي شريف: (إذا وُسِّدَ الأَمر لغير أهله فانتظروا الساعة) رواه البخاري، وهذا يدل ويؤكد أن المسؤولية لا تسند إلاَّ لمن هو أهل لها؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- اعتذر لأبي ذر الغفاري -رضي الله عنه- لما طلب منه أن يستعمله، بل إن الرسول -صلى الله عليه وسلم- حذره من خطر ذلك عليه، كما روى أبو ذر رضي الله عنه حيث قال: قلت يا رسول الله ألا تستعمِلُني؟ فضرب بيده على منكبي ثم قال: (يا أبا ذرٍّ إنك ضعيفٌ، وإنها أمانةٌ، وإنها يوم القيامة خزيٌ وندامةٌ إلاَّ مَنْ أَخَذها بحقها، وأدَّى الذي عليه فيها) أخرجه مسلم.
الثاني: المكان المناسب (موقع العمل المناسب) وتحقيق هذا الجانب يتطلب رؤية ثاقبة لقراءة الواقع وتحليله تحليلاً صحيحاً لخدمة مبادئ الدين ومصالح الوطن، وهذه الرؤية الثاقبة عند الملك سلمان أدركها واستفاد منها الملوك السابقون: الملك سعود وفيصل وخالد وفهد والملك عبدالله، رحمهم الله جميعاً.
الثالث: الزمان أو (الوقت المناسب) لاختيار الرجل المناسب في المكان المناسب للعمل المناسب، فقد أدرك الملك سلمان -حفظه الله- أن العصر الحديث قد تلاشى فيه حيز المكان وحيز الزمان بسبب انتشار الفضائيات وظهور الإنترنت وشبكات التواصل وتقنية المعلومات، كما يتسم هذا العصر بسرعة التبديل والتغيير واضطراب الأحداث وتقلبات الأحوال؛ لذلك فإن متطلبات المجتمع السعودي تتبدل وتتغير في الوقت الحاضر بسرعة لتواكب وتوازي متغيرات العصر الحديث، مع المحافظة على العادات والتقاليد العربية الأصيلة، والوسطية والاعتدال في الإسلام؛ وبالتالي تبرز حاجة الوطن إلى قيادات ملكية شابة تواكب وتيرة التغيير السريع والتطوير الحديث، لتصنع إستراتيجيةً عمليةً فاعلةً للمملكة العربية السعودية تتصف بالنشاط والإيجابية وامتلاك زمام المبادرة، وليست إستراتجية تقتصر على ردود الأفعال، فتتأثر بالآخرين ولا تؤثر فيهم؛ لأن السبق وامتلاك زمام المبادرة هو أحد عوامل النجاح ودليل على قوة الدولة على المستوى المحلي والإقليمي والدولي في عصرنا الحاضر.. والسبق وامتلاك زمام المبادرة عند الملك سلمان صفة متأصلة في المقام السامي الكريم، والدليل على تأصلها أنه عندما أدرك الفرق العملي بين ظروف الوطن وحاجاته بالأمس وبين متطلباته ومصالحه اليوم بادر إلى الهيكلة الحكومية عند توليه سدة الحكم، بعد رحيل أخيه الملك عبدالله -رحمه الله- ومن ركائز هذه الهيكلة إنشاء مجلسين الأول للشئون الأمنية والسياسية؛ والآخر للشئون الاقتصادية والتنمية.
وصدور الأمر السامي بتعيين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان وليّاً للعهد ونائباً لرئيس مجلس الوزراء بالإضافة إلى احتفاظه بمنصبه وزيراً للدفاع والطيران يوحي برسالة قوية إلى المتربصين من خصوم المملكة، مضمونها بأن القوات المسلحة السعودية على قلب رجل واحد، وجاهزة وعلى أهبة الاستعداد.. والسبق وامتلاك زمام المبادرة صفة أصيلة في الملوك السعوديين متوارثة عن الملك عبدالعزيز الذي استطاع أن يؤسس المملكة العربية السعودية بتطبيق إستراتيجية السبق وامتلاك زمام المبادرات المتتالية على أرض الواقع.
واليوم نرى الملك سلمان بما حباه الله من فراسة ورؤية ثاقبة، لم تغب عنه أيضاً أهمية العلاقة العاطفية والثقافية بين محمد بن سلمان والناس المتمثلة في «الكارزما» أو الجاذبية والحضورالمؤثر على الآخرين، وامتلاكه صفة السبق وروح المبادرة التي ظهرت معالمها الواضحة على المستويين الخارجي والداخلي:
(1): المستوى الخارجي: مبادرة تكوين التحالفات الدولية وتحقيق عنصر المفاجأة في عملية عاصفة الحزم الذي نتج عنها التدمير الخاطف والشامل للدفاعات الجوية والأسلحة الأرضية الثقيلة والصواريخ الإيرانية الباليستيه عند مليشيات الحوثيين وحلفائهم التي قد تهدد أمن السعودية واستقرارها في أي وقت من الأوقات.
(2): المستوى الداخلي: مبادرة الإصلاحات الشاملة التي تضمنتها «الرؤية 2030» وإجراءات تنفيذها على أرض الواقع المتمثلة في الخطط الخمسية بداية من «برنامج التحول الوطني2020» القيد التنفيذ.. والملك المؤسس وأبناؤه وأحفاده تُحرِّكْهم المبادئ الدينية الأصيلة والدوافع الوطنية العميقة التي تدعم مساعيهم إلى تحقيق الإنجازات الداخلية على مستوى الوطن، والإنجازات الخارجية على المستوي الإقليمي والدولي.
ومما لا شك فيه أن تأسيس المملكة العربية السعودية إنجاز رائد وعبقري للملك عبدالعزيز الذي سطر نموذجاً يحتذى به في اختيار الرجال المناسبين وتبني إستراتيجية السبق وامتلاك زمام المبادرة في الأماكن المناسبة وفي التوقيت المناسب، فاستطاع الملك عبدالعزيز وأبناؤه وأحفاده كسب تأييد الشعب ومبايعته لهم على السمع والطاعة.