يوسف المحيميد
كيف مر رمضان هذا العام، كيف انفرط من أيدينا بينما أعيننا تلاحق القنوات الفضائية، لا نتابع المسلسلات كالعادة، بل نتابع ما حدث ويحدث لنا، نريد أن نفهم ما الذي حدث؟ ولماذا حدث؟ وما مبررات حدوثه؟ أي صدمة تحيط بِنَا ونحن نرى انفراط سبحة مجلس التعاون الذي شهدنا بداياته في طفولتنا، وظننا أنه سيكبر معنا، ولن يموت حتى لو متنا، بل سيبقى ويتطور مع أبنائنا وأحفادنا، لكنه عاجلنا بنزعاته الأخيرة كما لو سيموت قبلنا، كيف حدث كل ذلك، صحيح أننا نختلف في الحوار والنقاش كما يختلف الأخوة، لكن لدينا مسلمات وبدهيات نحافظ عليها، نخاف على بعضنا، وليس من بعضنا، نحمي بعضنا بعضًا، قد نتنافس على مستوانا الخليجي، وربما الإقليمي، والعالمي، نتنافس اقتصادًا وثقافة وتعليما وتطورًا في عواصمنا، تتنافس قنواتنا في موادها الفضائية، تتنافس أنديتنا الرياضية خليجيا وآسيويا، نتنافس في الأدب والفنون والدراما، نتنافس في تصنيف جامعاتنا عربيا ودوليا، في كل شيء بيننا منافسة شريفة ومدهشة، أثارت انتباه العالم قبل أن تثير انتباه العرب وحسدهم!
ولا يتوقف الأمر عند ذلك فقط، بل نتنافس في جذب العالم كله نحو مؤتمراتنا وملتقياتنا وندواتنا الكبرى، السياسية والاقتصادية والثقافية، حتى أننا نتنافس في المبادرات الإيجابية، وحل المشكلات السياسية العالقة بين الأشقاء والأصدقاء، ونتنافس في دعم المتضررين والمنكوبين في العالم، ونتحد في القرارات التي تخدم مصالحنا المشتركة، إلى أن أصبحت مكانتنا لا يضاهيها مكانة في العالم، فما الذي حدث يا رمضان؟
كيف تتحول الخطط المشتركة للجميع إلى خطط عليها، وكيف يغدر الأخ بأخيه، كيف يتبقى تحت قبة هذا المجلس خفايا وأسرار، كيف يظهر للعلن شيء بينما في الخفاء تُدار أشياء؟ كانت عمان - على سبيل المثال - تختلف في سياساتها ورؤاها، وكثيرا ما تكون وجهة نظرها في كثير من القضايا مختلفة، لكنها تحظى بالاحترام والتقدير، لأن المجلس للنقاش والتشاور وصنع فرص الاتفاق بين الجميع، وما يدور تحت قبته من حوارات هي لصالح دوله وشعوبه، لكن عمان لم تكن تصنع المكائد والخطط للإضرار بأحد أشقائها الخليجيين، لذلك لم يعترض أحد عليها، أو يسحب سفيره منها، أو يفكر مجرد تفكير في قطع علاقاته معها، لماذا إذن قطر تفعل ذلك؟ لماذا تفعل ونحن الذين نتنازل لها مرارا، كي ينمو اقتصادها؟ ماذا تستفيد من التخطيط ضدنا، ولماذا تخطط لبعثرة الخليج وتفتيت دوله، وانتشار الفوضى بين شعوبه، وانعدام الأمن والاستقرار فيه؟ ألن تذوق هي مرارة ذلك معهم، وتعاني ويلاته قبل شقيقاتها؟ لماذا إذن تخرق قاع السفينة خفية كي تغرق هي، ويغرق معها الآخرون؟
هكذا مضى رمضان بفجره الأبيض الحزين، تاركا لنا الدهشة والأسئلة!.