د.عبد الرحمن الحبيب
في يوم الأربعاء الماضي بعد صدور الأمر الملكي الكريم بتعيين الأمير الشاب محمد بن سلمان ولياً للعهد سارت مجريات الحياة بهدوء كالمعتاد باستثناء البهجة التي عبَّر بها الناس عن فرحتهم بهذا الانتقال السلس الذي يرسخ استقرار المملكة ويؤكد سلاسة انتقال أركان القيادة في الدولة عبر السنين...
ولعل القفزة غير المسبوقة منذ سنوات لمؤشر سوق الأسهم يوم الأربعاء الماضي بعد ساعات من صدور الأمر الملكي يشير لدرجة ثقة الناس التي صارت أكثر اطمئناناً بالمستقبل، فالمعتاد هو التخوف عند حدوث انتقال في القيادة ويهبط مؤشر الأسهم لمجرد التحسب النفسي كما يحدث في الأسواق لأغلب البلدان المستقرة.. هنا حدث العكس!
ذلك نتيجة الكفاءة التي أظهرها الأمير الشاب محمد بن سلمان، ففي ظل جو من الترقب الحذر بعد انحدار أسعار النفط الذي يعتمد عليه اقتصادنا، وفي ظل مظاهر بعض الترهل للعمل الإداري في بعض المؤسسات الحكومية، وتنامي عدد السكان وزيادة نسبة البطالة، وفي ظل الأوضاع المضطربة في كثير من دول الجوار، ظهر برنامج التحول الوطني (2020) ورؤية المملكة 2030 اللذين أطلقهما محمد بن سلمان.
من خلال رؤية 2030 طُلب من الوزارات والمؤسسات الكبرى إصدار استراتيجية لكل جهة معنية باعتبارها استراتيجيات جزئية، تنبع وتتكامل مع أهداف الرؤية. كذلك أعيدت هيكلة بعض القطاعات وخصخصة أجزاء من بعضها مثل أرامكو السعودية.. واختير للحكومة كفاءات جديدة من الوزراء ونوعية مختلفة من خلال زيادة النسبة من جيل الشباب ومن القطاع الخاص ليبث مزيداً من الفاعلية لتنفيذ الأعمال الحكومية.
خطط تحديث جريئة طموحة وغير متوقعة لكنها واقعية يمكن تطبيقها لأنها موزعة زمنياً على مراحل قابلة للقياس وللتنفيذ ثم للرصد والمحاسبة، أدت إلى تفعيل العمل الإداري للدولة؛ والأهم من ذلك أدت إلى الاستفادة من مصادر قوة للمملكة لم تُفعَّل كما ينبغي بسبب الاعتماد على النفط، ومن أهمها مصادر ثلاث لم تستغل بشكل كامل حسبما سبق أن ذكر الأمير محمد بن سلمان، وهي: الأهمية العظمى للحرمين الشريفين، والموقع الجغرافي الاستراتيجي للمملكة، والقوة الاستثمارية لها.
بداية عمل برنامج التحول الوطني انطلقت من تفعيل العمل الإداري، فأي مراقب للأداء الإداري لمؤسسات الحكومة يلحظ بوضوح حركتها النشطة والسريعة على غير المعتاد في عملها البيروقراطي السابق. السبب في ذلك هو المتابعة الصارمة المتواصلة من قبل مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية الذي يرأسه الأمير محمد بن سلمان، تُتابع فيه نتائج الأعمال الحكومية الكبرى ومدى تطبيقها لخطتها، ومحاسبتها بلغة الأرقام عبر تقارير تفصيلية حية، كثير منها ينشر للجمهور.. صارت المحاسبة جادة وحازمة قد تفضي بإعفاء وزير أو حتى تحويله للتحقيق، وأصبحت الرسالة واضحة للوزراء ولكبار المسؤولين أن أمامهم اختبار مستمر للإنجاز..
كُنا اعتدنا داخل الوزارات والمؤسسات الكبرى، قبل برنامج التحول الوطني ورؤية المملكة 2030، على صدور قرارات وفق منهجية ما يمكن تسميته التعاميم المنفردة، مثل أن يصدر الوزير قراراً لحالة معينة وفقاً لظرفها دون ربطها منهجياً مع قرارات سابقة أو الخطة الخمسية رغم أنها قد تتناغم معها نسبياً ولكن ليس في إطار محدد ضمن استراتيجية عامة.. هذه المرحلة انتهت، فمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية بالمرصاد.
ليست كل المتابعة منوطة بمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية فثمة نُظم ومراكز مساندة: نظام للحوكمة ومركز لقياس الأداء، مركز دعم اتخاذ القرار.. إلخ. نظام الحوكمة يقوم على ثلاثة مستويات. الأول على مستوى رسم التوجّهات والاعتماد يتولاها المجلس. الثاني على مستوى تطوير الاستراتيجيات تتولاه اللجنة الاستراتيجية بمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية تشرف وتتابع تنفيذ الرؤية. الثالث على مستوى الإنجاز وتنفيذ البرامج تعده الجهات التنفيذية (الوزارات والهيئات..). وفي هذا المستوى يظهر المركز الوطني لقياس أداء الأجهزة العامة الذي يناط به تعزيز الشفافية ومشاركة المجتمع في متابعة وقياس التنفيذ والتزام الجهات بإنجاز الأهداف وإبراز أي تعثر.. ويشكل هذا المركز البنية التحتية للحوكمة.
إزاء كل ذلك تشهد المملكة استقراراً أمنياً في خضم الاضطرابات التي تشهدها مناطق الشرق الأوسط وزيادة أعمال الإرهاب. هنا، لا يمكن أن ننسى الجهد الاستثنائي الذي قام به الأمير محمد بن نايف وكفاءته في تطوير المؤسسات الأمنية ونجاحها المميز على مستوى العالم في مكافحة الإرهاب ودعم السلام..
وعلى النطاق الخارجي أظهر الأداء السعودي سياسياً وعسكرياً أن السعودية قادرة عسكرياً كما هي قادرة اقتصادياً، وأصبحت أكثر حزماً تجاه التوسع الإيراني.. فالسعودية الآن تقود تحالفاً دولياً لمواجهة الإرهاب على حدودها الجنوبية.. وتدير تفاهماً دولياً على مستوى المنطقة ككل، وأخذت زمام المبادرة عربياً لتغطية الفراغ الذي شكله تراجع الدور العربي لبعض دوله.
لقد عمل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان إصلاحاً شاملاً وممنهجاً للدولة مع الحزم في التطبيق يؤدي الآن إلى نقلة تطويرية كبيرة، أثمرت فاعلية في الأداء الحكومي والأداء السياسي الدولي، وكفاءة في ترسخ أمن المملكة.. وبعد سلسلة من قرارات الملك تشكلت حكومة فتية لشعب غالبيته من الشباب ممهداً الطريق لشباب يصنع مستقبله بكل جدارة..