عبدالعزيز السماري
في ذروة الأزمة الخليجية مع الشقيقة قطر سأجتهد في تقديم رؤية تحليلية لما يجري على الأرض من اختلاف وصراع ومواجهات، وسأحاول تقديم بعض التفسيرات لما يحدث من مكائد ومؤامرات على وجه التحديد من قطر تجاه شقيقاتها، وهل له علاقة بالمرض العربي الشهير، والذي كان سمة غالبة في العلاقات بين الدول العربية طوال العقود الماضية، وقد نستثني بعض الفترات التاريخية، وإن كانت قصيرة جداً..
بدأت أعراض المرض العربي في الظهور بعد حركات الاستقلال والانقلابات العسكرية في منتصف القرن الماضي، وقبول فكرة القطر العربي أو الأقطار العربية، والتي تعني أنهم كيان واحد وتجمعه مشتركات الدين والقومية والجغرافيا، إن فصلت بينهم الحدود السياسية..
من أهم أعراضه الاعتقاد بمشروعية التدخل في شؤون الدول العربية الأخرى، وصناعة المكائد والمؤامرات الخارجية ضد الشقيق العربي أو الخارج العربي، ثم بذل مدخرات الأوطان وثرواتها من أجل تغيير الأنظمة السياسية في الدول المجاورة وهكذا..
المثل الأشهر في متلازمة المرض العربي ما كان يفعله جمال عبدالناصر من تدخل سافر في شؤون الدول العربية الأخرى، والتي وصلت إلى تدبير المكائد السياسية من أجل تغيير الحكم السياسي، وأحياناً إلى التدخل الحربي من أجل نصرة فريق على آخر، كان مهووساً بفكرة تغيير الحكومات في الدول العربية وتنصيب العسكر لإدارة الحكم المحلي تحت قيادته العليا ..
كان المرض العربي كذلك ظاهراً بقوة في تاريخ العراق في عصر صدام حسين، فقد كانت وظيفته إدارة شؤون الصراع مع دول الجوار، وقد وصل حالته المرضية إلى الذروة عندما قرر أن يدخل الكويت ويحتل ويهجر مواطنيها، ولها سوابق عديدة في فن التدخل في شؤون الدول الأخرى، وكان يدير العراق خارجياً أما الداخل فكان في دائرة النسيان..
أيضاً كانت الحالة المرضية متقدمة في سوريا زمن الأسد الأب والابن، فقد مارسا شتى وسائل التدخل في شئون الغير، وكان لبنان مسرحاً مفتوحاً للتدخلات والمكائد السورية، كما أظهر القذافي في ليبيا تطرفاً في مسألة الاشتغال بالمكائد والمؤامرات والحروب ضد الخارج العربي، وستطول القائمة إذا حاولنا رصد أعراض المرض العربي في مختلف فترات التاريخ العربي الحديث.
تختفي خلف ظاهرة المرض العربي أسباب منها أنّ العرب لا زالوا يرفضون في العقل الباطن الحدود العربية الحالية، ويعتقدون أنه حق مشروع أن يعملوا في الخفاء من أجل تغيير الخريطة السياسية المجاورة لهم، وقد يكون من أسبابها الفشل الداخلي، فالتنمية الاقتصادية للدول العربية مآلها الفشل عند أغلب الحكومات العربية، ولهذا السبب يهرب الحاكم من إدارة الفشل الداخلي إلى إدارة الخارج وإشعال الحرائق السياسية الخارجية..
من خلال هذه الزاوية من الرؤية قد نفهم ما يجري في الشقيقة قطر، فعدوى المرض العربي انتقلت إليها من خلال العقل العربي التآمري الموروث، وقد تكون أصابتها أسوأ من غيرها، فالعقل السياسي العربي تأسس منذ البدء على ثقافة المكائد والمؤامرات ضد أشقائه، وكانت بعض السياسات العربية والقطرية أحد إفرازاته!
الاختلاف في قضية أزمة قطر أنها إمارة خليجية صغيرة، ولا تملك إمكانيات الدول العربية الكبرى في القيام بهذا الدور، أو لفرض شرعية القوة في مهمة تصدير المؤامرات السياسية والكيد الخارجي للدول المجاورة، ولهذا ربما ظهرت في صورة مغايرة لحجمها الجغرافي والسياسي..
من خلال هذه الرؤية التحليلية قد تكون الشقيقة قطر ضحية لعقل سياسي عربي مريض، وإصابة خطيرة وجديدة بأعراض المرض العربي الشائع، وعلى الأصحاء مساعدتها في الخروج من أزمتها العربية، ويكون ذلك أولاً بتفعيل مبدأ عدم التدخل في شؤون الدول العربية الأخرى، والتعامل مع الدول العربية على أنها كيانات مستقلة تماماً، وإعلان نهاية نظرية الأقطار العربية للكيان الواحد، وأن أي تدخل في شؤونها يعني إعلان حالة حرب ضدها..
الأهم من ذلك أن تعي الدول العربية وشعوبها أن هذا المرض قد يكون نتيجة مباشرة للفشل السياسي الداخلي، ولتراكم تجارب الفشل التنموي الذريع في مختلف أوجه الحياة..
أخيراً أدعو الله عزّ وجلّ مع حلول عيد الفطر المبارك أن يشفي دولة قطر من مرض العرب، وأن يخلص البقية منه إلى يوم الدين، اللهم أمين ..