أجرت الحوار - سهيلة طيبي (روما):
في هذا الحوار الشامل والمعمق الذي أجريناه مع الدكتور عبد العزيز بن أحمد سرحان ثمة إحاطة وإلمام بأوضاع الجالية المسلمة في الغرب. كانت لنا فرصة للتعرف عليه عن قرب بوصفه مدير مكتب رابطة العالم الإسلامي في إيطاليا، حيث نقدّر معرفته المعمقة بأوضاع الجالية ورحابة صدره للإجابة عن كافة أسئلتنا.. نضع هذا الحوار بين يدي القارئ للاطلاع من خلاله على أوضاع الإسلام والمسلمين في إيطاليا وفي أوروبا.
* تولي الرابطة اهتماماً كبيراً بالمسلمين في إيطاليا، في ماذا تتمثل هذه العناية وهذه الاهتمامات؟
- لرابطة العالم الإسلامي نشاطات متعددة ضمن خطة سنوية مقننة مدروسة، معتمدة من الإدارة العامة للمكاتب والمراكز الخارجية بالرابطة، قُسّمت إلى عدة أقسام، منها: النشاطات الدعوية والثقافية والاجتماعية والإعلامية والفنون التشكيلية والرياضية والإنسانية... هذه النشاطات تشمل على سبيل الذكر لا الحصر: التعريف بالإسلام وتصحيح صورته في الإعلام الغربي بصفة عامة والإيطالي بصفة خاصة، التواصل مع المسؤولين الإيطاليين المعنيين بالشؤون الإسلامية، تفعيل الحوار بين الأديان والحوار مع الآخر بصفة عامة، نشر ثقافة التعايش السلمي، فتح قنوات التواصل مع الفاتيكان، إقامة ندوات ثقافية تلقي بظلالها على القيم النبوية وعلى الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، إقامة مسابقة حفظ القرآن الكريم ومسابقة حفظ السنة والسيرة النبوية، توزيع المصحف الشريف وترجمة معانيه على الجمعيات الإسلامية والمساجد والأفراد، إقامة الحفل السنوي للتعريف بالرابطة ونشاطاتها وأهدافها، إقامة الدورة الرياضية الكبرى للجالية المسلمة والفرق الإيطالية غير الإسلامية، زيارة السجون والمستشفيات، التعاون مع السفارات والملحقيات الثقافية والدينية في الشأن الإسلامي، تفعيل اللقاءات الأكاديمية مع أساتذة الجامعات والمستشرقين، زيارة المنظمات والهيئات الإسلامية والمساجد، التعاون مع المركز الإسلامي في روما في بعض النشاطات، استقبال من يرغبون اعتناق الإسلام ومساعدتهم لكي يتعرفوا على الإسلام بعمق، المساهمة في إفطار صائم خلال شهر رمضان المبارك، الدفاع عن الإسلام والمسلمين إعلاميا وقضائيا إذا لزم الأمر.
* هل العناية بالجالية المسلمة في إيطاليا محدودة بشهر الصيام، وتيسير حج بيت الحرام أم تتجاوز ذلك؟ في ما تتمثل الإحاطة بمشاغل المسلمين المهاجرين؟
- في الحقيقة لنا زيارات إنسانية لبعض أماكن وجود اللاجئين، لتقديم العون الإنساني فقط.
ومن جهة أخرى فإن رابطة العالم الإسلامي في إيطاليا تقدم خدمات ملموسة للجالية المسلمة في شهر رمضان وعلى مدار العام.. ومن ذلك أن رابطة العالم الإسلامي هي من يدفع ميزانية المركز الثقافي الإسلامي في إيطاليا، كما توزع الرابطة كميات كبيرة من المصاحف والتمور وترجمة معاني القرآن الكريم بعدة لغات لمعظم المراكز الإسلامية والمساجد في إيطاليا، إضافة إلى أن للرابطة ندوات ثقافية ودينية، ولها برنامج مجدول للاجتماع ببعض المسؤولين الإيطاليين لفتح باب التعاون والتشاور فيما ينفع الطرفين، كما تعمل الرابطة على تعريف المجتمع الإيطالي بالدين الإسلامي بصورة صحيحة، ولنا زيارات لبعض الكنائس والجمعيات الثقافية، والفاتيكان. كما أننا نخدم الشباب المسلم بإقامة الدورات الرياضية التي تجمعه في جو من المودة والحب والإخاء.
* لماذا تم اختيار إيطاليا لإصدار أول صحيفة باللغتين الإيطالية والعربية، وهل تعكس تلك النشاطات والفعاليات اهتمامات مكتب الرابطة بإيطاليا؟ وهل لديكم نية لتعميم التجربة على سائر الدول الأوروبية الأخرى؟
- فكرة صحيفة («كلمة»/ «Kalima») تبلورت وتجسدت منذ ثمانية أشهر تقريباً، فأصدرنا العدد (صفر) ثم العددين الأول والثاني باللغتين الإيطالية والعربية، فلمسنا استحساناً من كافة الأطياف الثقافية والاجتماعية والسياسية، ووجدنا دعماً وتشجيعاً من رابطة العالم الإسلامي، مما شجع الرابطة على تبني فكرة دراسة إصدار صحيفة عالمية تتحدث وتعكس أخبار الرابطة وتحركات معالي الأمين العام في جولاته العالمية، وكذلك تكون صوتاً لجميع مكاتب ومراكز الرابطة في العالم، والدراسة في مراحلها الأخيرة، وستقدم للأمانة العامة لأخذ الموافقة عليها، حيث ستصدر هذه الصحيفة من روما بعدة لغات إن شاء الله، وستوزع في جميع أنحاء العالم (وصحيفة الجزيرة أول من يعلم بهذا الخبر).
* يلعب المركز الإسلامي بروما دورًا مهمًا في التعريف بالإسلام وتغطية حاجات المسلمين الدينية، هل هناك من تنسيق مع مساجد ومصليات ومراكز في مدن وجهات أخرى من إيطاليا؟
- المركز الإسلامي له إدارته، ولا أتكلم بالنيابة عنه، لكن في رأيي أن المطلوب من المركز الإسلامي أكثر مما يقدمه حالياً، لأنه أكبر مركز إسلامي يضم أكبر مسجد في أوروبا، لكن نشاطاته محدودة جداً، علماً أن مكتب رابطة العالم الإسلامي يتعاون مع المركز في بعض النشاطات، منها مسابقة القرآن الكريم التي تقام في شهر رمضان المبارك... أما ما يخص مكتب الرابطة فإنه يتواصل مع كافة المراكز والمصليات والمساجد في إيطاليا، وأقوم شخصيًا بزيارتها في جدول منظم لهذا الغرض.
* في إطار حوار الحضارات، هل يقتصر دور المركز الإسلامي الثقافي والديني على المسلمين أم يتجاوز ذلك إلى أنشطة مع الكنائس والأديان الأخرى في إيطاليا؟
- لا يقتصر دور ونشاط رابطة العالم الإسلامي على الجالية المسلمة، فقد أسلفت بأننا على اتصال بالفاتيكان الذي التقيت بعدد من مسؤوليه، منهم المونسنيور (أيوسو) المسؤول بالمكتب البابوي لحوار الأديان كما قابلت المونسنيور كروتي مسؤول العلاقات العامة لدولة الفاتيكان، والكردينال توران رئيس المجلس البابوي للحوار مع الأديان، كما أقمنا حواراً مع الكنيسة الإنغليكية في روما... فهذه اللقاءات تعزز الحوار وتصحح كثيراً من المفاهيم... وهذا مطلب ديني {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ}.
* ثمة شرائح واسعة من غير المسلمين يتطلعون إلى معرفة الدين الحنيف ما السبل إلى تقريبهم وهدايتهم ومن ثمة إدخالهم في دين الإسلام؟
- سؤال وجيه، وهذا ما نخطط له بأن تكون الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة منهجاً لنا في إيطاليا وغيرها، علماً أن الإيطاليين لديهم قبول ليسمعوا من الآخر، فالشعب الإيطالي ودود صديق واجتماعي بطبعه، فإذا أعجبه شيئًا فإنه يطلب الاستزادة وإذا لم يعجبه أن يسمع منك فإنه يخبرك بكل أدب... كما نقوم بتقديم هدايا للمجتمع الإيطالي تتمثل في المصاحف المترجمة والكتيبات الإسلامية الثقافية والعلمية ونقيم حوارات معهم كما أن المركز الإسلامي ومكتب الرابطة يستقبلون الآلاف من غير المسلمين سنويًا.
* ما الفرق بين العمل الدعوي في إيطاليا والدول الأوروبية والإفريقية والآسيوية والأمريكية؟
- الفرق شاسع جداً، ففي إيطاليا والغرب بصفة عامة، فإن الدعوة إلى الله تقوم على الإقناع المادي والفكري، حيث يبذل جهداً كبيراً في هذا الشأن، ولا بد للداعية أن يكون متمكناً في هذه الأمور، علماً أن نوع الأسئلة في الغرب يختلف عنه في إفريقيا التي يعتمد أسلوب الدعوة فيها على العاطفة والإقناع القلبي والإكرام، لأنهم مروا وعاشوا تجارب استعمارية أليمة جعلت منهم عبيداً ومهمشين، بل كانوا ميداناً خصباً لنهب ثرواتهم.
* يشهد شهر رمضان تعبئة روحية ودينية من طرف العديد من المراكز والجمعيات الإسلامية، ما هي أهم البرامج التي يقدّمها المركز الاسلامي بروما بما أنه يعد أهم مركز بالنسبة إلى المسلمين المقيمين في إيطاليا؟
- المركز الإسلامي في روما يشرع أبواب مسجده الكبير طوال شهر رمضان المبارك، كما أنه يجلب إماماً لصلاة التراويح، وفي رأيي فإن إماماً واحداً لا يكفي، كما يقدم المركز إفطاراً جماعياً للصائمين الذين يحضرون للمركز بما يعادل 400 شخص يومياً، أما بالنسبة إلى مكتب رابطة العالم الإسلامي فقد أسلفت ما يقدمه للجالية في رمضان وفي غير رمضان.
* ما الدعم الذي يتلقاه مكتب رابطة العالم الإسلامي بإيطاليا من مختلف الجهات الرسمية العربية والإسلامية كالسفارات والقنصليات والهيئات الرسمية، وفيما يتجسد ذلك الدعم؟ إذ نعرف أن السفير السعودي بإيطاليا ومالطا الدكتور رائد قرملي يقدّم جهوداً واسعة لتلبية مطالب الرابطة والمسلمين المهاجرين فيما تتمثل هذه المجهودات والمساعدات؟
- مكتب رابطة العالم الإسلامي لا يتلقى أي دعم من أية جهة، فميزانيته تصل إليه من الأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي ومقرها مكة المكرمة / السعودية، للصرف منها على نشاطاته، لكن يجب أن أنوه بالدعم المعنوي والإنساني والخدمي الكبير الذي تقدمه سفارة خادم الحرمين الشريفين في روما لمكتب الرابطة ودعمها للمكتب بكميات هائلة من المصاحف والتمور على مدار العام وإنني أغتنم هذه الفرصة لأشكر سفارة المملكة العربية السعودية على هذه اللفتات الكريمة التي يقف وراءها السفير الدكتور رائد قرملي سفير خادم الحرمين الشريفين في إيطاليا، كما أريد أن أنوه أيضاً بأن المركز الإسلامي في روما شيد على نفقة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله، وافتتحه عام 1995 خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وكان لي شرف التنظيم والإشراف على حفل الافتتاح.
* فضيلة الشيخ، يعرف مكتب الرابطة نشاطاً مكثفاً منذ توليكم منصب المدير وفي إطار ذلك قمتم بالتقريب بين أبناء الجالية المسلمة عبر مسابقات رياضية شاركت فيها العديد من الفرق التي تمثل المساجد والمحافظات، هل يمكن أن تشرحوا لنا دواعي إقدامكم على هذه المبادرة وهل تطمحون إلى توسيعها إلى كافة أرجاء أوروبا؟
- منذ حضوري لإيطاليا أقمنا دورتين رياضيتين جمعت فيهما العديد من الفرق التي تمثل عددا من الدول الإسلامية والعربية وغير الإسلامية، مثل فريق إيطاليا وفريق الإكوادور، وفرق تمثل الجالية المصرية الجزائرية والتونسية والمغربية والسعودية وغيرها، حيث تهدف هذه الدورات إلى جمع الشباب من أجل التعارف والتعاون وقضاء وقت ممتع بعيداً عن الروتين اليومي، كما تهدف لتقديم نشاط يفيد الشباب ويبعده عن الانزلاق فيما لا نفع فيه. وإن شاء الله ستكون الدورات أوسع في المستقبل بحيث تشمل كافة المحافظات الإيطالية.
* ما أهم التحديات التي تواجه الجالية المسلمة في إيطاليا؟
- إيطاليا دولة لها دستورها وقوانينها، والمسلمون الذين يعيشون فيها قد وفدوا إليها من بلدانهم العربية والإسلامية طلباً للرزق أو هرباً من حرب أو ظلم، فيجب أن تحترم الجالية المسلمة قوانين الدولة وأنظمتها ودساتيرها، ونحن نعرف أن إيطاليا دولة علمانية، دينها المسيحية، وقد أتاحت الحكومة للمهاجرين إليها والراغبين الإقامة فيها من غير أهلها حرية الديانة وحرية العيش، فيجب أن تحترم الأقليات التي تعيش في إيطاليا وفي أوروبا قوانين هذه الدول، وإذا كان للجالية المسلمة مطالب غير موجودة في القانون أو الدستور فعليهم أن يطالبوا بها من خلال القنوات الرسمية، وأن ينتظروا صدور أحكام دستورية تمنحهم حقوقهم التي يطالبون بها... وفي الغالب فإن المسلمين يعيشون حياة تكفل لهم حرية الدين والتعبير... وهنا يجب أن أنوه بأن الحكومة الإيطالية لم تعترف بالدين الإسلامي كدين رسمي في البلاد حتى الآن، وهذا ليس عيباً في الحكومة بقدر ما هو عيب في ممثلي الجالية المسلمة المتفرقين، حيث إن كل هيئة ومنظمة تقدم ملفاً للحكومة تطالب فيه الحكومة بالاعتراف بالإسلام، ودائماً ما يأتي الرد من الحكومة بالرفض، وكأنها تقول لهم: اذهبوا واتحدوا وقدموا ملفاً واحداً لنمنحكم الاعتراف. كما أن مسألة الحجاب والنقاب في إيطاليا لا تمثل هاجساً للمسلمين، فالمرأة في إيطاليا لها الحق أن تنتقب أو أن تتحجب. ولكن أمور الجالية في إيطاليا أفضل من غيرها في دول أوروبية أخرى.
* كم عدد المراكز والمؤسسات الإسلامية في إيطاليا؟ وكم نسبة المسلمين لعدد السكان؟
- عدد المراكز والمؤسسات الإسلامية في إيطاليا غير معروف بالدقة، بسبب فقدان التوثيق الدقيق، لكن ما تم إحصاؤه عن طريق بعض الجهات الرسمية هو أن هناك أربعة مساجد كبرى معترف بها في إيطاليا منها المركز الثقافي الإسلامي (المسجد الكبير) وهناك 400 مؤسسة إسلامية مسجلة رسمياً لدى السلطات الإيطالية، كما يوجد 222 مكاناً للعبادة غير مسجلة أو جارٍ تسجيلها، علما أن نسبة المسلمين لعدد السكان هي 3 في المائة ويمكن أن تصل إلى 5 في المائة عام 2030م، وقد تفوق 10 بالمائة عام 2050م، حسب آراء مراكز البحوث. علماً أن عدد المسلمين يبلغ حاليًا مليون وسبعمائة ألف مسلم.
* ما الدور الذي يقوم به كل من اتحاد الجاليات المسلمة والرابطة الإسلامية والمعهد الثقافي الإسلامي وجمعية الاتحاد الإسلامي في الغرب؟
- بعض هذه المسميات لهذه المنظمات قد تغير إلى مسميات أخرى، وعلى كل فإن هذه المنظمات بمسماها القديم أو بعد التغيير يندرج تحتها عشرات المساجد المنتشرة على الأراضي الإيطالية، وفي الحقيقة إن لهذه المنظمات نشاطات سياسية واجتماعية ودينية وثقافية وتعليمية مختلفة، تصب في خدمة الجالية المسلمة، ولها كذلك نشاطات دعوية، وقنوات للحوار مع غير المسلمين، كما تقوم هذه المنظمات بالدفاع عن قضايا الإسلام والمسلمين في إيطاليا.. علماً أن أدوارها قد تكون تكاملية في كثير من الأحيان، لكن التنسيق فيما بينها يحتاج إلى تفعيل أكبر لتصبح قوة حقيقة يمكنها فرض متطلبات الجالية وتحقيق أهدافها الدينية والاجتماعية والسياسية وتجسيد شخصيتها الإسلامية على أرض الواقع وذلك من خلال القنوات الرسمية.
* كيف ترون التوجه الرسمي لإغلاق المساجد ومنع بنائها للحدّ من نمو الإسلام في إيطاليا؟
- من المرجّح أنكم سمعتم عن خبر إغلاق بعض المساجد في إيطاليا، لكن يجب أن نعرف مسببات الإغلاق، فبعض المساجد أُرسِلتْ لها تحذيرات من قبل السلطات الرسمية الإيطالية وذلك قبل قرارات الإغلاق بعدة أشهر لمخالفتها قوانين وأنظمة السلامة، وأنا شخصيا صليتُ في بعض هذه المساجد أو المصليات، فوجدتها مصليات تقع تحت الأرض، في أقبية، ليس فيها سبل للتهوية ولا يوجد فيها مصادر للضوء، والنزول إليها عبر درج حلزوني عرضه ستون سنتيمتراً، فلو حدث أي طارئ، لا سمح الله، فإن كارثة حقيقة ستقع من جراء تدافع المصلين للهروب من المصلى أو المسجد، فأنا أرى أن للسلطات الإيطالية الحق في إقفال هذه المصليات، لفقدانها الحد الأدنى من شروط الأمان والسلامة... هذا ما أوضحته لنا السلطات الإيطالية. علماً أن العلاقات الجيدة مع السلطات والتفاعل مع الأنظمة والقوانين، سيؤدي حتماً إلى الاستجابة والإسراع في إجراءات معاملات التراخيص لبناء المراكز والمساجد في إيطاليا... وأنا شخصياً زرتُ عدداً من المشاريع لمراكز ومساجد إسلامية، في مراحل بنائها النهائية، خاصة مشروع المركز الإسلامي في منطقة بيروجيا، شمال روما، وكذلك مشروع المركز الإسلامي في ميلانو.. فلو تم تطبيق الأنظمة والقوانين، فإن السلطات يستحيل أن تمنع منح التراخيص، لأن القانون كفل للمسلمين وغير المسلمين أن يمارسوا شعائرهم الدينية بحرية تامة وأن يقيموا مساجدهم بالطرق النظامية، تحت مظلة القوانين التي تحدد المعايير التي يطلبها كل مشروع.
* كيف يمكن حماية أبناء المسلمين في المدارس الإيطالية من فرض القيم الكاثوليكية عليهم ومراعاة الاختلافات الدينية والثقافية في ظل مطالبة بعض الأحزاب بالمحافظة على القيم الكاثوليكية مهما كان الثمن؟
- بصفة عامة، من حق أية دولة أن تحافظ على قيمها بالطريقة التي تراها، ومن حق أي دولة أن تفرض دينها الأساس الذي تريده... لكننا إذا أردنا أن ننظر إلى الأنظمة السياسية في الدول الأوروبية لوجدناها دولاً علمانية ديمقراطية، والدستور الإيطالي مقتبس من التوراة (العهد القديم) والإنجيل... ولكن للخوف من تمدد الإسلام وانتشاره السريع والواسع في القارة العجوز، وللخوف مما روجوا له وهو ظاهرة (الإسلاموفوبيا)، وللخلفيات التاريخية بين المسيحية والإسلام، تبقى هذه التأثيرات كامنة في المجتمعات الأوروبية، تَظْهر بين الفينة والأخرى لتصل بعض الأحيان إلى أن تقوم الدولة بتغيير دستوها من أجل إيقاف شعيرة إسلامية معينة، مثل ما حدث في فرنسا عندما غيروا الدستور لمنع النقاب، على الرغم من أن عدد المنقبات (2000) منقبة، من نحو ستة ملايين مسلم يعيشون في فرنسا!!!. لكن في النهاية يجب الإذعان للقانون وللدستور، لأن مخالفة الدستور يعد جريمة يحاكم عليها القانون.
ومن هذه المنطلقات، يجب على الجالية المسلمة أن تفرض نفسها من خلال الدستور بأن تندمج في المجتمع وأن ترسل أبناءها للمدارس الحكومية الإيطالية، مع المحافظة عليهم في المنزل وفي المساجد أو في المدارس الخاصة بهم، لتعليمهم العلوم الدينية الإسلامية واللغة العربية، وهذا ما تفعله الجالية المسلمة في جنوب إفريقيا، التي أعتبرها أفضل جالية إسلامية على وجه الكرة الأرضية، وليت جميع الجاليات المسلمة في العالم تقتدي بها، فهي أنموذج ينبغي أن يحتذى.
ومن جهة أخرى، ولكي تتغلب الجالية الإسلامية على الأحزاب السياسية، فإن الوضع الحالي للجالية لا يمكنها من ذلك، لأن الجالية ليست لديها القوة الكافية لخوض هذا المجال، لكن لو اتحدت وتوحدت واتخذت قراراً بأن تمنح أصواتها لحزب معين، يشترطون عليه المقايضة (الأصوات مقابل منح المسلمين حقوقاً معينة يتفق عليها)... وهذا من شأنه جلب الأحزاب إليهم لتخطب ودّهم، ومن هذا الباب يمكن للجالية التأثير في الأحزاب.
* ما الأسباب التي تحول دون دمج اللاجئين والطلاب المسلمين في الفصول الدراسية؟
- لا يوجد سبب معين يحول دون إلحاق اللاجئين والطلاب المسلمين في الفصول الدراسية، فالقانون الإيطالي يكفل التعليم لجميع من يعيشون على الأراضي الإيطالية، والسبب الوحيد الذي يحول دون ذلك هو عدم حصول الطالب أو اللاجئ على الأوراق الثبوتية الرسمية التي تثبت إقامته قانونياً في إيطاليا، وبدون هذه المستندات لا يمكن إلحاق أي طالب بالمدارس، علماً أنه قد يتأخر استخراج هذه الوثائق شهوراً، لكن في النهاية الجميع يندرجون تحت مظلة التعليم الإجباري.
* تتألف الجالية الإسلامية في إيطاليا من عرقيات مختلفة من العالمين الغربي والإسلامي وهناك اختلافات في الطباع والثقافة وطريقة الحياة أدت إلى عدم الانسجام بين هذه الأطياف، فكيف يمكن التوفيق بينهم للتقليل من هذه الاختلافات؟
- التفرقة مشكلة تؤرق جميع المسلمين في إيطاليا وفي أوروبا أيضاً، فالمسلمون الذين يفدون إلى إيطاليا، تجدهم متفرقين، فلدى كل طائفة منهم مركز أو جمعية تنتمي إليها ولا تحيد عنها وتدافع عنها، ولا تجمعهم مظلة واحدة ليكوِّنوا وحدة تعمل من أجل مصلحة الجميع، ولقد بدأ مكتب الرابطة في إيطاليا بطرح فكرة جمع هذه الطوائف وهذه العرقيات المختلفة تحت (مظلة رابطة العالم الإسلامي) من أجل تقديم ملف الاعتراف بالإسلام (فقط) ووجدتْ الفكرة تأييداً من البعض ورفضاً تاماً من البعض الآخر، لأن كل طائفة ترى أنها الأحق في تقديم هذا الملف للسلطات الإيطالية، لكننا إن شاء الله سنسعى من أجل تقريب وجهات النظر، لعل الجالية أن تتحد مرة واحدة من أجل هدف أسمى وهو الاعتراف بالإسلام في إيطاليا... أسأل الله أن يعيننا على توحيد الجالية إن شاء الله، لكن الأمر يحتاج إلى دعم كبير مادي ومعنوي.
* هناك مواقف مرت بكم خاصة فيما يتعلق باعتناق المهتدين الجدد للدين الإسلامي، حدثنا عنها؟
- المواقف كثيرة ومتعدد، ومنها أنني وسكرتير المكتب ذهبنا قبل شهور إلى صيدلية لشراء كرسي متحرك، وكانت في الصيدلية امرأتان، وبما أنني كنت مرتدياً ثيابي السعودية، سألتني إحداهن عن جنسيتي، (ولأني أعشق الدعوة، فإنني استغل مثل هذه المواقف لأجيرها للدعوة) فشرحت لها أنني من مكة المكرمة عاصمة الإسلام والمسلمين، وأخذت أشرح لها الإسلام، فطلبت منا كتباً ومصحفا، فزودناها بما طلبته، وبعد أيام اتصلت تستفسر عن موقف الإسلام من المرأة، فأخبرناها، وبعد اقتناعها اعتنقت الإسلام، ولله الحمد، هذا باختصار شديد وإلا فالقصة لها تفاصيل... كما أحمد الله أن كثيرين اعتنقوا الإسلام بتوفيق من الله عزّ وجلّ.
* حدثنا عن زيارات معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي لدول العالم...
- في الحقيقة كانت لزيارات معاليه المتتالية التي شملت عدداً من دول العالم الإسلامي والغربي صدى كبير في الأوساط الإسلامية والعالمية، أشادت بها كبريات الصحف العالمية وكذلك وسائل الإعلام المختلفة، وذلك للمنهج المتجدد الذي يتبعه معاليه، والذي يصب في تحقيق أهداف الرابطة، فكان معاليه يدعو للوسطية والحوار الفكري، كما دعا معاليه إلى احترام دساتير الدول والتعامل معها وفق الأنظمة التي تكفل الحرية في المعتقد وحرية التعبير والعدالة لتحقيق مطالب الجالية الإسلامية... كما يؤكد معاليه في زياراته إلى مواجهة الحواضن المشجعة على الكراهية، مبيناً أهمية دور الشعوب الواعية التي تمثل منظومة العلماء والمفكرين ومؤسسات التعليم ومنصات التأثير في محاربة الكراهية التي سببت الكثير من المآسي وأوقدت الكثير من الحروب... ويؤكد معاليه في لقاءاته مع الجاليات الإسلامية على أهمية التعايش الاجتماعي، وقبول الآخرين بمختلف دياناتهم، طالما يضم الجميع بلد واحد ومجتمع واحد.
ومن جهة أخرى، فإنني أشجع وأؤيد هذه الزيارات والمؤتمرات والحوارات، لأنها السبيل الوحيد ليتفهمنا الآخر، ولأنها الطريق الذي يفتح قنوات التفاهم والتعارف وتصحيح المفاهيم والتأثير على الغير.
* كيف كانت لقاءاتكم في الفاتيكان؟
- كانت لقاءات رائعة لم أتوقعها، فقد نُظمت على درجة كبيرة ومنحوها عناية خاصة، واستقبلوني هناك استقبال كبار الزوار، فقد تبادلنا الأفكار والرؤى، والشيء اللافت للنظر أن سكرتير الدولة للعلاقات المونسنيور مايكل كروتي كانت لديه خلفية جيدة عن الرابطة، وقد قابلت أيضاً المونسنيور (أيوسو) والكردينال (توران) رئيس المجلس البابوي للحوار مع الأديان... وفي الحقيقة فقد وعدونا بتسهيل إجراءات زيارة معالي الأمين العام للقاء بابا الفاتيكان.