د. جاسر الحربش
يعد الإيراني جعفر باناهي من عباقرة الإنتاج السينامائي في العالم. أعتقد وبدون مبالغة أن عروض الأفلام السينامائية الإيرانية في الخارج تقدم أفضل دعاية للحضارة الإيرانية كحضارة عريقة، ولكن فيما يخص بساطة الناس والعادات والفنون، وليس فيما يخص الحكومات الإيرانية، لا في أيام الشاه ولا حكومة الولي الفقيه. من الصعب أن يعرض حالياً فيلم إيراني في أحد المهرجانات العالمية ويخرج بدون جائزة تميز، وكثيراً ما يحصل على جائزة أحسن فيلم.
التعليق الواجب هنا والمنفصل عن المقال سياقاً وكتابة، هو أن أي مجتمع محروم من صناعته السينامائية الوطنية الخاصة كالمجتمع السعودي يبقى رمادياً وغامضاً للآخرين وبعيداً عن التعاطف الحضاري.
الأسماء المعاصرة في السينيما الإيرانية كثيرة ولامعة، منها عباس كياروستامي، مسعود جعفري، أمير نادري، روكسان باني، ومحسن مخملباف وابنته سميرة مخملباف، والقائمة طويلة وجميلة.
شاهدت الأسبوع الماضي فيلم «الذهب القرمزي» من إنتاج جعفر باناهي، فأدركت من أول مشهد أنني أمام فيلم يسحر القلب والفكر في آن واحد. للأسف لم يكن الفيلم مترجماً فتابعته باللغة الفارسية التي لا أفهمها، لكن تصوير الوقائع الممزوج بالذوق الرفيع والبساطة لدرجة النقر على أعصاب الإحساس يجعل الفهم والاستمتاع في إطار الممكن، رغم غياب الاستمتاع بغياب حوار الممثلين. ليست الأحداث الدرامية فقط هي ما يشد المشاهد، بل انتقال البطل موزع البيتزا على دراجته النارية في شوارع وأزقة وجواخير طهران، حيث يعرف المشاهد أن الناس يعيشون باستمرار تحت الرقابة المشددة من سلطات الأمن الداخلي، بحجة حراسة الفضيلة بينما الهدف هو شل المواطن بالرعب.
واضح أن الفيلم أنتج لفضح الكذبة الكبرى لحكومة مذهبية تدعي أنها طهرانية وتهتم بحراسة الأخلاق والدين داخل مدينة يطحن أهلها الفقر والبحث عن لقمة اليوم. بالمجاز يعيش في مدينة طهران إصبع واحد في نعيم يندر وجوده حتى في باريس وبرلين، ولكنه نعيم الإصبع على حساب تعاسة كامل اليد. يوجد بؤس شامل وحنق في كل مكان وإحباط يجعل المواطن يعاف الحياة، وحراس ثورة يفصلون النساء عن الرجال للتحقيق في علاقاتهم ثم يقتادون النساء بعيداً، فتسمع صراخ الاغتصابات. باختصار يوجد فقر وبطالة وبؤس يلف الأغلبية الخاضعة للمراقبة، ولكن إلى جانب ما يشكل قلامة ظفر من السكان تعيش حياة باذخة من الرقص والشرب واللهو تحت حراسة حراس الفضيلة.
قد لا تكون حياة الترف الفاسق في طهران تختلف عن مثيلات لها في كل البلدان العربية، ولكن الفارق يوجد في مسمى جمهورية الولي الفقيه وفي انتشار حراس الفضيلة في كل شارع وزقاق للتمويه على الفجور الحقيقي خلف الجدران.