كوثر الأربش
لن أتحدث كما هو معتاد في أحداث منعطفية كهذه، عن سيرة الرجلين، فكلاهما جاوزا مرحلة التعريف، كلاهما فعلا ما يمكنه أن يخلدهما على جدار التاريخ. والدي محمد بن نايف لا تملك أمامه إلا أن تكون مأسورًا بحبه، فكل ما يمكن أن يكتب عن هذا الرجل سيكون مجرد محاولة يائسة للغة، لأنه رجل المهمات الكبرى، رجل تتهافت أمامه العبارة. أما محمد بن سلمان، ولي العهد الحالي للمملكة، فإن حاولت وصفه فإنك حجمته، وما قام به من تحويلات كبرى منعطف تاريخي. يضعنا الاثنان على أعتاب دولة سعودية رابعة بكل المعايير. بعيدًا عن كل هذا، دعني أتحدث عن الظروف ما قبل المبايعة. قبل الموقف الخالد الذي تم توثيقه بين المحمدين؛ ما الذي كان يحدث؟ إنه ليس سرًا حينما أقول أن إيران ومنذ رحيل الملك عبدالله - رحمه الله- كانت تجهز مائدتها لالتهام الخليج، معتقدة أن ذلك يسير، وأن أحلامها اقتربت من الحقيقة. ليس إيران وحسب، العراق التي تنام مذعنة تحت رداء ولي الفقيه، حزب الله والحوثي، بعض العرب العار على العرب، أبناء الحدود الذين حفروا للعدو الحدود، هؤلاء من جهة. خلايا داعش الداخلية، إرهاب العوامية، مرض يحاول إنهاك الدولة من العمق، ومؤخرًا قطر، قطر التي لم أكتب عنها إلى اليوم ما يضعها تحت المحاكمة، فقط لآني متعلّقة بأذيال الأمل. كل تلك الأفواه المسعورة كانت على أهبة الاستعداد، الاستعداد لم؟ لأن ينشب صراع ما، تسقط البلاد. ولكن؛ بدلاً من أحلام الخيال الطفولي، التي طالما دغدغت الولي الفقيه وأذنابه، نَمَت حقيقة، حقيقة أن السعودية ليست خرافة يرويها معمم عجوز على منبره، لخداع البسطاء. ليست هكذا ولن تكون. السعودية استطاعت أن تجدف بأقدامها وبيديها وبكل مفصل من مفاصلها، لتنهض من أمنية الغرق الذي كان يريده لها خصومها، لتخرج برأسها للشمس، للغد وبطريقة مبهرة ضربت أحلامهم عرض الحائط. ظهر المحمدان، كقريبين، مثلما يقبّل أحدنا جبين والده صباحًا، مثلما قبّلتُ قدمي والدتي قبل رحيلها لله، هكذا وبكل حب.
جرى تغيير المواقع، بطريقة سلسلة وجديدة، لنتذكر فقط أن محمد بن سلمان يفعل الأمور على خلاف المعتاد، لأنه يعرف كيف يحرك الساكن. يؤكّد بكل ما يقول ويفعل أننا في زمن جديد، أن رؤية 2030 تبدأ من تغيير جمود الأفعال المعتادة. كان يمكن أن تتم المبايعة بشكلها الرسمي، ولكن ماذا لو أن الأمير الشاب وقف بين يدي سلفه الأكبر، في وقفة دافئة، اعتدل محمد بن نايف، وأصلح من بشته، في حالة تشبه الانتهاء من المهمات، ثم يقول كلامًا جميلاً، عن شعوره بالرضا، عن أن ما نفعله لن يضيع هدرًا حينما يكمل المهمة من نثق بحكمته. من يعرف الأمير محمد بن نايف يعلم جيدًا أنه لا يرتاح قبل أن تكون الأمور بخير، قبل أن يحل الأزمات. أن عينه سهرت من أجل أن ينام الأطفال في بيوتهم آمنين. عندما قال الآن نحن نرتاح، في قاموس ابن نايف، تعني أنك رجل يمكنني أن أطمئن وأمن البلاد تحت عينك.
الفيديو الذي لم يتجاوز الدقيقتين، أدى رسالة قوية، على ثلاث رسائل:
1- أن الأمور تجري في المملكة، وحتى على الصعيد السياسي خلاف المعتاد وأن رؤية 2030 تتجلّى في فيديو بسيط بين فردين من الأسرة الحاكمة يتبادلان المواقع، بصورة سلسة، حميمة، غير مسبوقة.
2- « الراحة» تعني في قاموس العظماء، وجود خلف يتابع المسير بجودة مُرضية
3- أن الجيل اللاحق بطاقته المتوقدة، برؤاه العصرية، لا يعمل بمعزل عن خبرة السابقين وجوهر التجربة.
ختامًا.. أريد أن أقول إنني ابتسمت وبكيت بعد المشهد.. رحيل قاهر الإرهاب، فارس الأمن، لا يضمده إلا مجيء قاهر الجهل والجمود ورائد المرحلة.