يحكى أن هناك زمنا جميلا طرقات هزيلة بيوتا متلاصقة وقلوبا واسعة حيث (حياة) داخل الحياة فهناك تتعالى أصوات (الفتوة) بحثا عما يزيد قوتهم وينمي عضلاتهم فيصف لهم (العطار) (العطرون والدقة) على الجانب الآخر كهل يتكئ بجسده على زوجته وشريطا من الذكريات يسامر خطواتهما يقطعه ترانيم قلوب تمارس البوح على جنبات الطريق بإحدى زوايا ذاك الزمن الجميل يقع دكان العم (إبراهيم).
وثمة صبية يمرحون حوله ويمارسون طقوسا من السعادة والبساطة فهنالك مجموعة من (الصبيان) يقفون صفا واحدا بعد ان اتفقوا على مكان للحماية يسمى (العزيزة) وغالبا ما يكون دائرة يقوم اللاعبون بخطها على الأرض واحيانا يكون جدارا او أي شيء يتفق عليه اللاعبون، تبدأ اللعبة بعد ان يقع الاختيار على لاعب وتعصب عيناه بـ (الغترة) ثم يقوم بقية اللاعبين بالاختباء وبعد الاختباء يصيح الجميع بصوت واحد (شرعة دندن) حينها يرفع اللاعب المعصوب العينين الغطاء عنه ويبدأ البحث عن اللاعبين فاذا امسك بأحدهم قام بإخراجه في حين ان اللاعبين الناجين يتجهون الى مكان الحماية قائلين بصوت عال (العزيزة عمتي).
في الجانب الآخر من الزمن الجميل توجد (كرويته) العم رضا الذي يجتمع بها الاصحاب ويتبارون بالأمثال الشعبية فالعم صالح يبدأ بقوله (مين يقول للغولة عينك حمرا) يرد عليه العم حسن (السلف تلف إما نكر إما خلف) وعلى الطرف الاخر من (الكرويته) تقف بعض الفتيات ويضعن ايديهن فوق بعض مكونات هرما ثم تقول من يدها بالأسفل (ويز يا ويز) فترد عليها التي يدها تليها (وش بك يا ويز) فترد الأولى (يدي تحت) ثم تسحب من يدها بالأسفل يدها الأخرى وتضعها فوق الايادي ثم تقول (ويز يا ويز) فترد الأخرى (وش بك يا ويز) فتقول (يدي تحت) فتقول لها (ارفعي فوق) وهكذا تتوالى الايادي في تغيير امكنتها الى ان تصبح اليد العليا بالأسفل وتختتم اللعبة في قولهم جميعا (فر).
وسط زقاق الزمن الجميل ثمة تلاميذ يرتدون أبهى ملابسهم ويسيرون وهم ينشدون حتى وصلوا بيت زميلهم (لؤي) الذي استقبلهم ممتطيا جوادا حيث سار الموكب في الشوارع يتقدمهم (لؤي) حاملا لوحة قد كتب عليها سور القرآن التي حفظها وأصوات المنشدين تردد الدعوات الصالحات، ثم يعود الموكب إلى بيت (لؤي) ويتناول الجميع الطعام لتنتهي بذلك حفل (الإقلابة)
ما بين عصر ومغرب ذلك الزمن الجميل يقام (رحماني) (فتو) فها هي الداية تحضر وأطفال الحي والجيران فتأخذ الداية الطفلة وتضعها بـ(الطراحة) وهو فراش من القطن ملبس بقماش الساتان الأبيض ومشغول بالترتر. ثم تقوم الداية بالدوران بالطفل ويدور خلفها الأطفال وهي تردد:
يارب البرية؛ بارك لنا في البنية.
ويردد الأطفال من ورائها:
يا داية محلى مشيتك.. يا داية انتي وبزرتك
يا داية يا ست الكل.. يا داية منديلك فل
بعد ذلك يحضر أهل الطفلة إناء مملوءاً بالحبة السوداء والملح كناية عن درء الحسد عن المولود.
بعد ذلك تجلس الداية على الأرض وتضع الطفلة في (غربال الحبابة) وهو غربال كبير مفروش بالقصب وتبدأ بتعداد أهل الطفل بعد ذلك يحضرون مهراسا ثم تقول الداية موجهة كلامها للطفل: اسمع كلام أمك ولا تسمع كلام أبوك بعد ذلك توزع على الأطفال الحلوى الملونة والموت.
ونختم ذكريات الزمن الجميل حيث الأهل والجارات يجتمعن على مأدبة (التعتيمة).
** **
- ضياء بنت إبراهيم الميمان