د. حسن بن فهد الهويمل
عتبة مقالي هو الشطر المهمل من مطلع قصيدة [المتنبي] الثائرة، المثيرة، التي ظلم بها [كافور الإخشيدي]، و[أهلَ مِصر]. وشد بها انتباه المتابعين الذين يحلو لهم التجريح، والضرب من تحت الحزام، دون تبصر في الأمور، أو بحث عن المواقف المنصفة.
[العيد] ظرف زماني، يمر على أقوام سعداء، وآخرين تعساء. بل يمر بالمريض، والفقير، والخائف، والمذنب، والسجين.
كما يمر بالصحيح، والغني، والسعيد، والآمن، والمؤمن، والمقيم، والضاعن.
هو عيد، لا يُقَدِّمُ بين يدي قدومه، أجواء فَرْحَةٍ الجميع. والناس ليسوا على موعدٍ معه على أمر يرضونه.
وليس له ذنب حين لا يمنح الناس جميعًا فرحته. إنه يوم كأي يوم، يحمل مقاديره المودعة فيه. وإن كان بالمفهوم الديني يوم زينة، وتكبير، وشكر، وزيارة للأحبة. إِذ ليس هناك تعارض. فقد تتم تلك، والمنفذ حزين.
و[المتنبي] حين واجهه بالتساؤل: - [بِأَيَّةِ حَالٍ عُدْتَ يَا عيدُ]. لم يتح له فرصة الإجابة، وإنما استرسل في الفيضان: - [وَلا بد لِلْمَصْدُورِ مِنْ فَيَضَانِ]. يوم العيد مخلوق يحمل شفرته. وظرف يحمل مظروفه.
ولأنه كذلك، فالناس يختلفون في مخارج الأهلة. فقد يكون عيدًا عند قوم، وصيامًا عند آخرين، وليس هذا، ولا ذاك عند غير المسلمين.
إذا لكل جماعة مواقفها، وفلسفتها، وقراءاتها للأحداث، والأيام، والظروف العامة، والخاصة.
يكون الإنسان فرحًا في عيد، لا يتوفر على ما يُفْرح، وحزينًا في عيد تتوفر فيه كل محققات السعادة: - [وأَخُو الجَهَالَةِ فِي الشَّقَاوَةِ يَنْعُمُ].
المتشائم كـ[المتنبي] يود لو أن بينه وبين العيد بِيد: - [فَلَيْتَ دُوَنّكَ بِيْدٌ دُوْنَها بِيْدُ]. المحروم والغريب لا يريدان العيد، لأنه يُنكي الجراح، ويُذكِّر بالأحبة.
و[المتنبي] اللاهث وراء أطماعه، وتطلعاته، كأنه موكل بفضاء الأرض يذرعه: - [مَا حَطّ مِنْ سَفَرٍ إلا إلى سَفَرٍ]، يرتهن السعادة لمصالحه، وأطماعه، وطموحاته.
المتفائل يظن بالله ظنًا حسنًا [واللهُ عِنْد ظَنِّ عَبْدِه بِه]، والمفلس من يظن بالله ظن السوء: - {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا}.
ما لا ينكره أحد، أن هذا العيد، ليس هو بأفضل الأعياد على أمتنا. والمعايش لا يحتاج إلى دليل.
نعم نحن في أرض المقدسات سعداء، آمنون، مُطْمَئنون ولكننا نحمل هم أمتنا، وما تعانيه من قلاقل، وفتن تستحكم حلقاتها كل يوم، وعسى أن تنفرج الغمة:
[ضَاقَتْ فَلَمَّا استحْكَمَتَ حَلَقَاتُها … فُرِجَتْ وَكُنْتُ أَظُنُّها لَا تُفْرَجُ]
وكم من نازلة يضيق بها الفتى، ويوجس الناس في أنفسهم خيفة، وما علموا أن الحكمة تقول: - [رُبَّ ضَارّةٍ نَافِعة]. وأن الفرج أقرب من حبل الوريد، وقد يبلغ التشاؤم مبلغه، فيستبعد اليائِسُون الفرج، ويتصورون أن العواقب وخيمة، و: -
[قَدْ يُنْعمُ الُله بِالبَلْوى، وَإنْ عَظُمَتْ … ويَبْتَليِ اللهُ بَعْضَ القَوْمِ بالنِّعَمِ].
والدليل على ذلك أن [الحدث الواحد] تختلف قراءة الناس له، وإن كانت بوادره تشيء بالعواقب: الحسنة، أو السيئة.
الشيء المثير للتساؤل قبول البعض للقراءات الشاذة، وسيطرتها على مشاعرهم، وتصوراتهم، وحملهم على رفع أصواتهم فوق صوت الحكمة.
وما استأت من شيء استيائي من نخب كنت أعدهم من الأذكياء، الأزكياء، يأخذون هذا الأدنى من الآراء، وكأنها فصل الخطاب.
وحتى بعد مجيء النتائج على عكس ما يرون، تراهم يحيلون ذلك للسياسة بوصفها [فن الممكن]، وأن [كل شيء يصير].
وقد لا يَعْبؤون بالنتائج المخالفة لتوقعاتهم. وهذا من باب المغالطة، والهروب إلى الأمام.
ولو أن المُصِرِّين على تبعيتهم أعادوا قراءة آرائهم، وحاسبوا أنفسهم، لكانوا أكثر اتزانًا، وواقعية في قراءة ما يَجدّ. ولكنهم يَسْتَغْشون ثيابهم، ويصرون، ويَسْتَكبرون استكبارًا.
عيدنا في [المملكة العربية السعودية] سعيد، وتفاؤلنا مبرر، وأملنا بالله أمكن، وثقتنا به أقوى، لا تزعزعها الأعاصير المحيطة، ولا الظروف العصيبة. هكذا نحن. وسنظل - إن شاء الله - كما نحن.
وعلينا لكي نوطن النعم أن نشكر مُسْديها، وألا نستخف بها. {لئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}، والشكر قولٌ، وعمل، وموقف، وليس مجرد تمتمة غافلة.
نحن أمام تحديات مخيفة، تستحق التوجس، والتحري للخلوص من عقابيلها، والتحيز للجماعة.
والإشكالية ليست في فداحة الحدث، وإن كانت مضرة. الإشكالية في اختلاف الآراء، والتصورات، والتصرف على ضوء تلك المفاهيم الخاطئة. فالحدث يمر، ثم يمحوه النسيان، وينسي ويلاته الأملُ.
أما ما يتركه من رواسب فكرية، وتناحر في الآراء، وتشتت في المواقف، فهو باقٍ، ومؤثر. وله عوائده المضرة بمصلحة الأمة.
عيدنا في أرضنا المباركة سعيد بكل المقاييس، ولكننا وسط اللهب، مشكلات عالمنا تقلقنا، وتخيفنا، لأنها فرص مواتِية للأعداء، الذين يبحثون عن ثغرات، لتوهين عزماتنا.
عيدنا سعيد، وإن رغمت أنوف، والله المسؤول أن يحفظ أرض المقدسات، وأن يأخذ بنواصي قادتنا إلى ما يحب، ويرضى. وأن يدرأ عن مثمناتنا الحسية، والمعنوية، والدينية، والدنيوية، كل سوء.
عيدنا تصحبه بشائر، وتواكبه هدايا، وتعطر أجواءه أوامر ملكية مسددة، وعلينا ألا نقتصر على الاحتفاء، والثناء.
علينا أن ندعو في هذه الأيام المباركة لقائدنا، بالسداد، والرشاد، وأن نبارك لولي عهده بالثقة الملكية.
أحد العلماء العاقلين المجربين يقول: - [لَوْ عَلِمْتُ أن لِي دَعْوَة مُسْتَجَابَة، لَجَعَلْتُها لِوَلِيِّ الأَمر]، فبصلاحه تصلح الأمة.
ولا سيما أن أزمة أمتنا العربية:
- أزمة حكام انقلابيين متسلطين.
- وعلماء أحزاب متشددين.
- وقادة دول استكبار مستبدين.
وتلك المثبطات المحبطات لا تنكشف غمتها إلا بالدعاء الصادق، وتغيير ما بالأنفس: - {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأنفسهم}.