«الجزيرة» - أحمد المغلوث:
بعد أن قام ومع أولاده بجولة معايدة على مجالس أقاربه ومعارفه. عاد إلى مجلسه فهناك من جاء إلى مجلسه لمعايدته. ومن ضمن من جاء أحد معارفه من سكان مدينته والذي بات الآن من الأعيان. وراح وهما يحتسيان القهوة.
ويتبادلان أطراف الحديث. وذكريات الماضي عن أيام زمان ومظاهر العيد.
وحكايات الفتية الكبار في السن الذين يمارسون الأعمال الشريرة والشيطانية مستغلين كونهم غير معروفين لدى أهالي الحي. فهم قادمون من أحياء بعيدة. وامتاز هؤلاء الفتية بتصيد الأطفال خصوصًا الصغار وفي أحيائهم الشهيرة وهم يعيشون فرحة العيد وماحصلوا عليه من (عيدية) من أقاربهم وجيرانهم بل بعضهم كان يتفاخر ويعتز بصورة لافتة كونهم حصلوا على (عيدية) كثيرة. ربما تكون ريالات معدودة. ومع هذا كان لها الأثر الكبير في شعورهم بالعيد.. كان يتحدث الرجل وهو يحرك حبات سبحته المزدانة بالفصوص الفضية عندما لاحظ على يده المعروقة آثار حرق قديم جدًا. فعادت به الذاكرة إلى الماضي عندما قام هذا الرجل وهو فتى (شرس) يكبره بعدة سنوات بخطف عيديته التي كان قد جمعها منذ صباح العيد .
ويذكرها جيدًا كانت العيدية داخل (المحفظة) السوداء التي أهداها إياه والده ليحفظ فيها (عيديته) والتي اكتنزت بالريالات الورقية وبينهم ريال فضة عيدية جدته.. يذكر كيف دفع الفتى «الشري» يده اليمنى في صدره بقوة إلى جدار (السباط) فإذا بجسده النحيل يرتطم بالجدار الطيني وهو يصرخ من الخوف والمفاجأة.
لم تكن قواه لحظتها تسعفه على مقاومته فكان مخيفًا بنظراته التي يشع منها شرر اللصوصية والإجرام وعلى الرغم من أنه حاول جاهدًا أن يتلمس سبيلاً ما للفكاك منه لكن قوته جعلته يلتصق بالجدار ويد الفتى تمتد إلى يده لخطف محفظته. وكل ماحدث بعد ذلك أنه شعر بأن شيئًا ما بارد ينساب من بين ساقيه.؟! نعم سائل انساب نتيجة طبيعية وحتمية من شدة خوفه وجزعه. لكنه لم يحول عينه عن يده فهناك حرق واضح في يده اليمنى.
وراقبه وجلاً وهو يسارع الخطى هاربًا بعيدًا عنه حاملاً معه غنيمته وما تحتويه من غنيمة. ففيها حصيلة ساعات من جولاته مع والده خلال معايدته لإخوانه ومعارفه وجيرانه، وتشتت بعد ذلك بصره واحتار ماذا يفعل كان الوقت ضحى ودار برأسه ذات اليمين وذات الشمال ورائحة السائل والذي رطب ثوبه الجديد تكاد تنتشر زاحفة على جسمه وثوبه البافتة.
راح يمسح دموعه بكم ثوبه وواصل سيره لبيتهم وهو يجر معه خيبته وفشله وحسرته لفقد عيديته. ومشى في الطريق الضيق مكسور الخاطر. وما هي إلا لحظات وأصبح داخل بيتهم ..! لكن السنوات تمضي سريعة الخطى. وها هو الآن أمام ذلك الفتى الحرامي الذي سرق عيديته.. تطلع إليه باسمًا وقال له: ألا يا بو صالح ممكن تخبرني عن سبب هذا الحرق الذي في يدك؟ فرد عليه بعدما اتسعت عيناه بسعة الأفق: زمن (الجهالة) شاهدني ابوي أدخن سيجارة لف كان عمري أيامها وربما ما تصدق ثماني سنوات وبسرعة أخذ السيجارة وحرق بها يدي. وهو يردد علشان يذكرك آثار الحرق.
كلما خطر في بالك التفكير في «شرب» الدخان. ومن يومها «ما مديت» يدي على سيجارة أبدًا. الله يرحمه ويسكنه الجنة... فردد معه الله يرحمه.
وراح يسأل نفسه هل يقول له إنه ذلك الفتى «الشري» الذي خطف منه محفظته السوداء الجلدية في يوم العيد. هل يصدمه بالحقيقة.. وهل يصفعه بحكاية لاتُنسى أبدًا.. عندها رد عليه لسان حاله وهو يقول: لا ألف لا. عفا الله عما سلف..؟! لكنه في هذا الصباح راح يكتب الحكاية بعيدًا عن عيون الرجل والفتى «الشري». لتكون إطلالة هذاالصباح.!